١٠٤قد جاءكم بصائر . . . . . {قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ } هذا وارد على لسان الرسول لقوله آخره { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } والبصيرة نور القلب الذي يستبصر به كما أن البصر نور العين الذي به تبصرأي جاءكم من الوحي والتنبيه بما يجوز على اللّه تعالى وما لا يجوز ما هو للقلوب كالبصائر قاله الزمخشري ، و قال ابن عطية : البصيرة هي ما ينقب عن تحصيل العقل للأشياء المنظور فيها بالاعتبار فكأنه قال : قد جاءكم في القرآن والآيات طرائق إبصار الحق والمعينة عليه والبصيرة للقلب مستعارة من إبصار العين ، وقال الحوفي : البصيرة الحجة البينة الظاهرة كما قال تعالى :{ ادْعُواْ إِلَى اللّه عَلَى بَصِيرَةٍ }{ بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } ، وقال الكلبي : البصائر آيات القرآن التي فيها الإيضاح والبينات والتنبيه على ما يجوز عليه وعلى ما يستحيل وإسناد المجيء إلى البصائر مجاز لتفخيم شأنها إذا كانت بمنزلة الغائب المتوقع حضوره كما يقال جاءت العافية . {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ } أي فالإبصار لنفسه أي نفعه وثمرته . {وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا } أي فالعمى عليها أي فجدوى العمى عائد على نفسه والإبصار والعمى كنايتان عن الهدى والضلال ، والمعنى أن ثمرة الهدى والضلال إنما هي للمهتدي والضال لأنه تعالى غني عن خلقه ، وهي من الكنايات الحسنة لما ذكر البصائر أعقبها تعالى بالإبصار والعمى وهذه مطابقة ، وقدره الزمخشري { فَمَنْ أَبْصَرَ } الحق وآمن { فَلِنَفْسِهِ } أبصر وإيّاها نفع { وَمَنْ عَمِىَ } عنه فعلى نفسه عمي والذي قدرناه من المصدر أولى وهو فالإبصار والعمى لوجهين : أحدهما : أن المحذوف يكون مفرداً لا جملة ويكون الجار والمجرور عمدة لا فضلة ، وفي تقديره هو المحذوف جملة والجار والمجرور فضلة ، والثاني : وهو أقوى وذلك أنه لو كان التقدير فعلاً لم تدخل الفاء سواء كانت من شرطاً أم موصولة مشبهة بالشرط لأن الفعل الماضي إذا لم يكن دعاء ولا جامداً ووقع جواب شرط أو خبر مبتدأ مشبه باسم الشرط لم تدخل الفاء في جواب الشرط ولا في خبر المبتدأ ، لو قلت : من جاءني فأكرمته لم يجز بخلاف تقديرنا فإنه لا بد فيه من الفاء ولا يجوز حذفها إلا في الشعر وقال أبو عبد اللّه الرازي : البصيرة اسم الإدراك التام الحاصل في القلب والآيات المتقدمة ليست في أنفسها بصائر إلا أنها لقوتها وجلائها توجب البصائر لمن عرفها ، فلما كانت أسباباً لحصول البصائر سميت بصائر . {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أي برقيب أحصر أعمالكم أو بوكيل آخذكم بالإيمان أو بحافظكم من عذاب اللّهأو برب أجازيكم أو بشاهد أقوال رابعها للحسن وخامسها للزجاج ، وقال الزمخشري :{ بِحَفِيظٍ } أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها إنما أنا منذر واللّه هو الحفيظ عليكم . انتهى ، وهو بسط قول الحسن ، و قال ابن عطية : كان قبل ظهور الإسلام ثم بعد ذلك كان حفيظاً على العالم آخذاً لهم بالإسلام والسيف . |
﴿ ١٠٤ ﴾