١٣٣

وربك الغني ذو . . . . .

{وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ذُو الرَّحْمَةِ } لما ذكر تعالى من أطاع ومن عصى والثواب والعقاب ذكر أنه هو الغني من جميع الجهات لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ، ومع كونه غنياً هو ذو الرحمة أي التفضل التام . قال ابن عباس :{ ذُو الرَّحْمَةِ } بأوليائه وأهل طاعته .

وقيل : بكل خلقه ومن رحمته تأخير الانتقام من العصاة .

وقيل :{ ذُو الرَّحْمَةِ } جاعل نفع الخلائق بعضهم ببعض .

وقال الزمخشري :{ ذُو الرَّحْمَةِ } يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة .

{وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَا أَنشَأَكُمْ } هذا فيه إظهار القدرة التامة والغنى المطلق والخطاب عام للخلق كلهم ، كما قال :{ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أيها الناس ويأت بآخرين فالمعنى إن يشأ إفناء هذا العالم واستخلاف ما يشاء من الخلق غيرهم فعل ، والإذهاب هنا الإهلاك إهلاك الاستئصال لا الإماتة ناساً بعد ناس لأن ذلك واقع فلا يعلق الواقع على أن يشأ .

وقيل : الخطاب لأهل مكة . وقال عطاء : يعني الأنصار والتابعين .

وقيل :{ يُذْهِبْكُمْ } أيها العصاة { وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء } من النوع الطائع و { كَمَا أَنشَأَكُمْ } في موضع مصدر على غير الصدر لقوله :{ وَيَسْتَخْلِفُ } لأن معناه وينشىء والمعنى إن يشأ الإذهاب والاستخلاف يذهبكم ويستخلف فكل من الإذهاب والاستخلاف معذوق بمشيئته و { مِنْ } لابتداء الغاية . و

قال ابن عطية : للتبعيض . وقال الطبري : وتبعه مكي هي بمعنى أخذت من ثوبي ديناراً بمعنى عنه وعوضه ؛ انتهى ، يعني إنها بدلية والمعنى من أولاد قوم متقدّمين أصلهم آدم عليه السلام .

وقال الزمخشري : من أولاد { قَوْمٍ ءاخَرِينَ } لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح ؛ انتهى . ويعني أنكم { مّن ذُرّيَّةِ قَوْمٍ } صالحين فلو شاء أذهبكم أيها العصاة ويستخلف بعدكم طائعين ، كما أنكم عصاة أنشأكم من قوم طائعين وما في قوله :{ مَا يَشَاء } قيل بمعنى من والأولى إن كان المقدار استخلافه من غير العاقل فهي واقعة موقعها وإن كان عاقلاً فيكون قد أريد بها النوع .

وقرأ زيد بن ثابت { ذُرّيَّةِ } بفتح الذال وكذا في آل عمران وأبان بن عثمان { ذُرّيَّةِ } بفتح الذال وتخفيف الراء المكسورة وعند { ذُرّيَّةِ } على وزن ضربة وتضمنت هذه الآية التحذير من بطش اللّه في التعجيل بذلك .

﴿ ١٣٣