٧٩

فتولى عنهم وقال . . . . .

{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ قَوْمٌ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } ظاهر العطف بالفاء أنّ هذا التولي كان بعد هلاكهم ومشاهدة ما جرى عليهم فيكون الخطاب على سبيل التفجّع عليهم والتحسّر لكونهم لم يؤمنوا فهلكوا والاغتمام لهم وليسمع ذلك من كان معه من المسلمين فيزدادوا إيماناً وانتفاء عن معصية اللّه واقتضاء لما جاء به نبيه عن اللّه ويكون معنى قوله ولكن { لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } ولكن كنتم لا تحبون الناصحين فتكون حكاية حال ماضية وقد خاطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل قليب بدر وروي أنه خرج في مائة وعشرين من المسلمين وهو يبكي فالتفت فرأى الدخان فعلم أنهم قد هلكوا وكانوا ألفاً وخمسمائة دار ، وروي أنه رجع بمن معه فسكنوا ديارهم ،

وقيل : كان توليه عنهم وقت عقر الناقة وقولهم { ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } وذلك قبل نزول العذاب وهو الذي يقتضيه ظاهر مخاطبته لهم وقوله { وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } وهو الذي في قصصهم من أنه رحل عنهم ليلة أن أخذتهم الرّجفة صبحتها ، وبعد ظهور أمارات الهلاك التي وعد بها قال الطبري :

وقيل لهم تهلك أمة ونبيها فيها ، وروي أنه اترحل بمن معه حتى جاء مكة فأقام بها حتى مات ولفظة التولي تقتضي اليأس من خيرهم واليقين في هلاكهم وخطابه هذا كخطابهم نوح وهود عليهما السلام في قولهما { أُبَلّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبّى } وذكر النصح بعد ذلك لكنه لما كان قوله { أَبْلَغْتُكُمْ } ماضياً عطف عليه ماضياً فقال :{ وَنَصَحْتُ } ، وقوله :{ لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } أي من نصح لك من رسول أو غيره أي ديدنكم ذلك لغلبة شهواتكم على عقولكم . وجاء لفظ { النَّاصِحِينَ } عامّاً أيأيّ شخص نصح لكم لم تقبلوا في أي شيء نصح لكم وذلك مبالغة في ذمّهم .

وروي عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من مائها ولا يستقوا منها فقالوا : يا رسول اللّه قد طبخنا وعجنّا ، فأمرهم أن يطرحوا ذلك الطبيخ والعجين ويهرقوا ذلك الماء وأمرهم أن يستقوا من الماء الذي كانت ترده ناقة صالح وإلى الأخذ بهذا الحديث ، أخذ أبو محمد بن حزم في ذهابه إلى أنه لا يجوز الوضوء بماء أرض ثمود إلا إن كان من العين التي كانت تردها الناقة ، وعن جابر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما مرّ بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : { لا يدخل أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم } وفي الحديث أنه مر بقبر فقال { فَيَقُولُ مَا هَاذَا } ؟ قالوا لا قال { هذا قبر أبي رغال الذي هو أبو ثقيف كان من ثمود فأصاب قومه البلاء وهو بالحرم فسلّم فلما خرج من الحرم أصابه فدفن هنا وجعل معه غصن من ذهب} قال فابتدر القوم بأسيافهم فحفروا حتى أخرجوا الغصن

﴿ ٧٩