٢٠

{الَّذِينَ ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِى سَبِيلِ اللّه بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّه وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } زادت هذه الآية وضوحاً في الترجيح للمؤمنين المتصفين بهذه الأوصاف على المشركين المفتخرين بالسقاية والعمارة ، فطهروا أنفسهم من دنس الشرك بالإيمان ، وطهروا أبدانهم بالهجرة إلى موطن الرسول وترك ديارهم التي نشأوا عليها ، ثم بالغوا بالجهاد في سبيل اللّه بالمال والنفس ، المعرضين بالجهاد للتلف . فهذه الخصال أعظم درجات البشرية ، وأعظم هنا يسوغ أن تبقى على بابها من التفضيل ، ويكون ذلك على تقدير اعتقاد المشركين بأن في سقايتهم وعمارتهم فضيلة ، فخوطبوا على اعتقادهم . أو يكون التقدير أعظم درجة من الذين آمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا .

وقيل : أعظم ليست على بابها ، بل

هي كقوله : { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً} وقول حسان : فشركما لخيركما الفداء وكأنه قيل : عظيمون درجة . وعند اللّه بالمكانة لا بالمكان كقوله :{ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } قال أبو عبد اللّه الرازي : الأرواح المقدسة البشرية إذا تطهرت عن دنس الأوصاف البدنية والقاذورات الجسدانية أشرقت بأنوار الجلال وغلا فيها أضواء عالم الجمال ، وترقت من العبدية إلى العندية ، بل كأنه لا كمال في العبدية إلا بمشاهدة الحقيقة العندية ، ولذلك

قال تعالى :{ سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } انتهى ، وهو شبيه بكلام الصوفية ، ثم ذكر تعالى أنّ من اتصف بهذه الأوصاف هو الفائز الظافر بأمنيته ، الناجي من النار .

﴿ ٢٠