٧٤{يَحْلِفُونَ بِاللّه مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلا أَنْ } : الضمير عائد على المنافقين . فقيل : هو حلف الجلاس ، وتقدمت قصته مع عامر بن قيس . وقيل : حلف عبد اللّه بن أبي أنه ما قال { لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ } الآية . وقال الضحاك : حلفهم حين نقل حذيفة إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم أصحابه وإياه في خلوتهم ، وأما وهموا بما لم ينالوا فنزلت قيل : في ابن أبي في قوله : ليخرجن ، قاله قنادة ، وروي عن ابن عباس . وقيل : بقتل الرسول ، والذي همّ به رجل يقال له : الأسود من قريش ، رواه مجاهد عن ابن عباس . وقال مجاهد : نزلت في خمسة عشر هموا بقتله وتوافقوا على أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ اتسم العقبة ، فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها ، وحذيفة خلفها يسوقها ، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة يوقع إخفاف الإبل وقعقعة السلاح ، فالتفت فإذا قوم متلثمون فقال : إليكم يا أعداء اللّه فهربوا ، وكان منهم عبد اللّه بن أبي ، وعبد اللّه بن سعد بن أبي سرح ، وطعيمة بن أبيرق ، والجلاس بن سويد ، وأبو عامر بن نعمان ، وأبو الأحوص . وقيل : همهم بما لم ينالوا ، هو أن يتوجوا عبد اللّه بن أبي إذا رجعوا من غزوة تبوك يباهون به الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فلم ينالوا ما هموا به ، فنزلت . وعن ابن عباس : كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالساً في ظل شجرة فقال : إنه سيأتلكم إنسان فينظر إليكم شيطان ، فإذا جاء فلا تكلموه ، فلم يلبثوا أنْ طلع رجل أزرق فدعاه فقال : علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فانطلق لرجل فجاء بأصحابه ، فحلفوا باللّه ما قالوا ، فأنزل اللّه هذه الآية . وكلمة الكفر قول ابن أبي لما شاور الجهجاه الغفاري وسنان بن وبرة الجهني ، وقد كسع أحدهما رجل الآخر في غزوة المريسيع ، فصاح الجهجاه : يا للأنصار ، وصاح سنان : يا للمهاجرين ، فثار الناس ، وهدأهم الرسول فقال ابن أبي : ما أرى هؤلاء إلا قد تداعوا علينا ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، أو الاستهزاء ، أو قول الجلاس المتقدم ، أو قولهم : نعقد التاج ، أو قولهم : ليس بنبي ، أو القول : لئن رجعنا إلى المدينة أقوال . وكفروا : أي أظهروا الكفر بعد إسلامهم أي إظهار إسلامهم . ولم يأت التركيب بعد إيمانهم لأنّ ذلك لم يتجاوز ألسنتهم . والهم دون العزم ، وتقدم الخلاف في الهام والمهموم به . وقيل : هو همّ المنافقين أو الجلاس بقتل ناقل حديث الجلاس إلى الرسول ، وفي تعيين اسم الناقل خلاف ، فقيل : عاصم بن عدي . وقيل : حذيفة . وقيل : ابن امرأة الجلاس عمير بن سعد . وقيل : اسمه مصعب . وقيل : هموا بالرسول والمؤمنين أشياء لم ينالوها { وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} هذا مثل قوله : { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا }{ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ } وكان حق الغني من اللّه ورسوله أن يشكر لا أين ينقم ، جعلوا الغنى سبباً ينتقم به ، فهو كقوله : ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب وكان الرسول قد أعطى لعبد اللّه بن أبي دية كانت قد تغلظت له ، قال عكرمة : اثنا عشر ألفاً . وقيل : بل كانت للجلاس . وكانت الأنصار حين قدم الرسول صلى اللّه عليه وسلم المدينة في ضنك من العيش لا يركبون الخيل . ولا يجوزون الغنيمة ، فأثروا وقال الرسول للأنصار :{ وَكُنتُمْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّه بَيْنَنَا } وقيل : كان على الجلاس دين كثير فقضاه الرسول ، وحصل له من الغنائم مال كثير . وقوله : وما نقموا الجملة كلام أجرى مجرى التهكم به ، كما تقول : ما لي عندك ذنب إلا إني أحسنت إليك ، فإن فعلهم يدل على أنهم كانوا لئاماً . وقال الشاعر : ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا وأنهم سادة الملوك ولا يصلح إلا عليهم العرب وقال الآخر وهو نظير البيت السابق : ولا عيب فينا غير عرق لمعشر كرام وإنا لا نحط على النمل فإن يتوبوا هذا إحسان منه تعالى ورفق ولطف بهم ، حيث فتح لهم باب التوبة بعد ارتكاب تلك الجرائم العظيمة . وكان الجلاس بعد حلفه وإنكاره أن قال ما نقل عنه قد اعترف ، وصدق الناقل عنه وتاب وحسنت توبته ، ولم يرد أنّ أحداً قبلت توبته منهم غير الجلاس . قيل : وفي هذا دليل على قبول توبة الزنديق المس الكفر المظهر للإيمان ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي . وقال مالك : لا تقبل فإن جاء تائبتاً من قبل نفسه قبل أن يعثر عليه قبلت توبته بلا خلاف ، وإن يتولوا أي : عن التوبة ، أو الإيمان ، أو الإخلاص ، أو الرسول . والمعنى : وإنْ يديموا التولي إذ هم متولون في الدنيا بإلحاقهم بالحربيين إذ أظهروا الكفر ، فيحل قتالهم وقتلهم ، وسبي أولادهم وأزواجهم ، وغنم أموالهم . وقيل : ما يصيبهم عند الموت ومعاينة ملائكة العذاب . وقيل : عذاب القبر . وقيل : التعب والخوف والهجنة عند المؤمنين ، وفي الآخرة بالنار . |
﴿ ٧٤ ﴾