١٠٠

{وَالسَّابِقُونَ الاْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالانْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الانْهَارُ } : قال أبو موسى الأشعري ، وابن المسيب ، وابن سيرين ، وقتادة : السابقون الأولون من صلى إلى القبلتين . وقال عطاء : من شهد بدراً قال : وحوّلت القبلة قبل بدر بشهرين . وقال الشعبي : من أدرك بيعة الرضوان ، بيعة الحديبية ما بين الهجرتين . ومن فسر السابقين بواحد كأبي بكر أو عليّ ، أو زيد بن حارثة ، أو خديجة بنت خويلد ، فقوله بعيد من لفظ الجمع ، وإنما يناسب ذلك في أول من أسلم . والظاهر أنّ السبق هو إلى الإسلام والإيمان . وقال ابن بحر : هم السابقون بالموت أو بالشهادة من المهاجرين والأنصار ، سبقوا إلى ثواب اللّه وحسن جزائه ، ومن المهاجرين والأنصار أي : ومن الأنصار وهم أهل بيعة العقبة أولاً وكانوا سبعة نفر ، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين ، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير فعلمهم القرآن .

قال ابن عطية : ولو قال قائل : إن السابقين الأولين هم جميع من هاجر إلى أن انقضت الهجرة ، لكان قولاً يقتضيه اللفظ ، وتكون من لبيان الجنس . والذين اتبعوهم بإحسان هم سائر الصحابة ، ويدخل في هذا اللفظ التابعون ، وسائر الأمة لكن بشرط الإحسان . وقد لزم هذا الاسم الذي هو التابعون من رأى من رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم. وقال أبو عبد اللّه الرازي : الصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة والنصر ، لأن في لفظ السابقين إجمالاً ، ووصفهم بالمهاجرين والأنصار يوجب صرف ذلك إلى ما اتصف به وهي الهجرة والنصرة ، والسبق إلى الهجرة صفة عظيمة من حيث كونها شاقة على النفس ومخالفة للطبع ، فمن أقدم أولاً صار قدوة لغيره فيها ، وكذلك السبق في النصرة فازوا بمنصب عظيم انتهى ملخصاً .

ولما بين تعالى فضائل الأعراب المؤمنين المتصدقين ، وما أعد لهم من النعيم ، بين حال هؤلاء السابقين وما أعد لهم ، وشتان ما بين الإعدادين والثناءين ، هناك قال :{ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ } وهنا { رَّضِىَ اللّه عَنْهُمْ } ، وهناك { سَيُدْخِلُهُمُ اللّه فِى رَحْمَتِهِ } وهنا { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي } ، وهناك ختم :{ إِنَّ اللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وهنا { ذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}

وقرأ عمر بن الخطاب ، والحسن ، وقتادة ، وعيسى الكوفي ، وسلام ، وسعيد بن أبي سعيد ، وطلحة ، ويعقوب ، والأنصار : برفع الراء عطفاً على والسابقون ، فيكون الأنصار جميعهم مندرجين في هذا اللفظ . وعلى قراءة الجمهور وهي الجر ، يكونون قسمين : سابق أول ، وغير أول . ويكون المخبر عنهم بالرضا سابقوهم ، والذين اتبعوهم الضمير في القراءتين عائد على المهاجرين والأنصار . والظاهر أن السابقون مبتدأ ورضي اللّه الخبر ، وجوّزوا في الخبر أنْ يكون الأولون أي : هم الأولون من المهاجرين . وجوّزوا في قوله : والسابقون ، أن يكون معطوفاً على قوله : من يؤمن أي : ومنهم السابقون . وجوزوا في والأنصار أنْ يكون مبتدأ ، وفي قراءة الرفع خبره رضي اللّه عنهم ، وذلك على وجهين . والسابقون وجه العطف ، ووجه أنْ لا يكون الخبر رضي اللّه ، وهو أعاريب متكلفة لا تناسب إعراب القرآن .

وقرأ ابن كثير : من تحتها بإثبات من الجارة ، وهي ثابتة في مصاحف مكة . وباقي السباعة بإسقاطها على ما رسم في مصاحفهم . وعن عمر أنه كان يرى : والذين اتبعوهم بإحسان ، بغير واو صفة للأنصار ، حتى قال له زيد بن ثابت : إنها بالواو فقال : ائتوني بأبيّ فقال : تصديق ذلك في كتاب اللّه في أول الجمعة { وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } وأوسط الحشر :{ وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ } وآخر الأنفال :{ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مِن بَعْدُ} وروي أنه سمع رجلاً يقرؤه بالواو فقال : من أقرأك ؟ فقال : أُبيّ فدعاه فقال : أقرأنيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ومن ثم قال عمر : لقد كنت أرانا

وقعنا وقعة لا يبلغها أحد بعدنا .

﴿ ١٠٠