٤{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّه حَقّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ } : ذكر ما يقتضي التذكير وهو كون مرجع الجميع إليه ، وأكد هذا الإخبار بأنه وعد اللّه الذي لا شك في صدقه ثم استأنف الإخبار وفيه معنى التعليل بابتداء الخلق وإعادته وأن مقتضى الحكمة بذلك هو جزاء المكلفين على أعمالهم . وانتصب وعد اللّه وحقاً على أنهما مصدران مؤكدان لمضمون الجملة والتقدير : وعد اللّه وعداً ، فلما حذف الناصب أضاف المصدر إلى الفاعل وذلك كقوله :{ صِبْغَةَ اللّه }{ عَبْدُ اللّه } والتقدير : في حقاً حق ذلك حقاً . وقيل : انتصب حقاً بوعد على تقدير في أي وعد اللّه في حق . وقال علي بن سليمان التقدير : وقت حق وأنشد : أحقاً عباد اللّه أن لست خارجا ولا والجاً إلا عليّ رقيب وقرأ عبد اللّه ، وأبو جعفر ، والأعمش ، وسهل بن شعيب : أنه يبدأ بفتح الهمزة . قال الزمخشري : هو منصوب بالفعل ، أي : وعد اللّه تعالى بدء الخلق ثم إعادته ، والمعنى : إعادة الخلق بعد بدنة . وعد اللّه على لفظ الفعل ، ويجوز أن يكون مرفوعاً بما نصب حقاً أي : حق حقاً بدء الخلق كقوله : أحقاً عباد اللّه أن لست جائيا ولا ذاهباً إلا عليّ رقيت انتهى . و قال ابن عطية : وموضعها النصب على تقدير أحق أنه . وقال الفراء : موضعها رفع على تقدير لحق أنه . قال ابن عطية : ويجوز عندي أن يكون أنه بدلاً من قوله : وعد اللّه . قال أبو الفتح : إن شئت قدرت لأنه يبدأ ، فمن في قدرته هذا فهو غني عن إخلاف الوعد ، وإن شئت قدرت وعد اللّه حقاً أنه يبدأ ولا يعمل فيه المصدر الذي هو وعد اللّه ، لأنه قد وصف ذلك بتمامه وقطع عمله . وقرأ ابن أبي عبلة : حق بالرفع ، فهذا ابتداء وخبره أنه انتهى . وكون حق خبر مبتدأ ، وأنه هو المبتدأ هو الوجه في الإعراب كما تقول : صحيح إنك تخرج ، لأنّ اسم أنّ معرفة ، والذي تقدمها في نحو هذا المثال نكرة . والظاهر أنّ بدء الخلق هو النشأة الأولى ، وإعادته هو البعث من القبور ، وليجزي متعلق بيعيده أي : ليقع الجزاء على الأعمال . وقيل : البدء من التراب ، ثم يعيده إلى التراب ، ثم يعيده إلى البعث . وقيل : البدء نشأته من الماء ، ثم يعيده من حال إلى حال . وقيل : يبدؤه من العدم ، ثم يعيده إليه ، ثم يوجده . وقيل : يبدؤه في زمرة الأشقياء ، ثم يعيده عند الموت إلى زمرة الأولياء ، وبعكس ذلك . وقرأ طلحة : يبدىء من أبدأ رباعياً ، وبدأ وأبدأ بمعنى ، وبالقسط معناه بالعدل ، وهو متعلق بقوله : ليجزي أي : ليثيب المؤمنين بالعدل والإنصاف في جزائهم ، فيوصل كلاًّ إلى جزائه وثوابه على حسب تفاضلهم في الأعمال ، فينصف بينهم ويعدل ، إذ ليسوا كلهم مساوين في مقادير الثواب ، وعلى هذا يكون بالقسط منه تعالى . قال الزمخشري : أو يقسطهم بما أقسطوا أو عدلوا ولم يظلموا حين آمنوا وعملوا الصالحات ، لأنّ الشرك ظلم قال اللّه تعالى : { إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } والعصاة ظلام لأنفسهم ، وهذا أوجه لمقابلة قوله : بما كانوا يكفرون انتهى ، فجعل القسط من فعل الذين آمنوا وهو على طريقة الاعتزال ، والظاهر أنّ والذين كفروا مبتدأ ، ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله : الذين آمنوا ، فيكون الجزاء بالعدل قد شمل الفريقين . ولما كان الحديث مع الكفارة مفتتح السورة معهم ، ذكر شيئاً من أنواع عذابهم فقال :{ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } وتقدم شرح هذا في سورة الأنعام . |
﴿ ٤ ﴾