١٠{إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الاْنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْواهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللّهمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للّه رَبّ الْعَالَمِينَ } : أي يزيد في هواهم بسبب إيمانهم السابق وتثبتهم ، فأما الذين آمنوا فزادتهم أو يهديهم إلى طريق الجنة بنور إيمانهم كما قال :{ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } قال مجاهد : يكون لهم إيمانهم نوراً يمشون به . وفي الحديث : { إذا قام من قبره يمثل له رجل جميل الوجه طيب الرائحة فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقوده إلى الجنة } وبعكس هذا في الكافر . وقال ابن الأنباري : إيمانهم يهديهم إلى خصائص المعرفة ، ومزايا في الألطاف تسر بها قلوبهم وتزول بها الشكوك والشبهات عنهم كقوله : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } وهذه الزوائد والفوائد يجوز حصولها في الدنيا قبل الموت ، ويجوز حصولها بعد الموت . قال القفال : وإذا حملنا الآية على هذا كان المعنى يديهم ربهم بإيمانهم ، وتجري من تحتهم الأنهار ، إلا أنه حذف الواو . وقيل : معناه تقدّمهم إلى الثواب من قول العرب : القدم تهدي الساق . وقال الحسن : يرحمهم . وقال الكلبي : يدعوهم . والظاهر أنّ تجري مستأنفاً فيكون قد أخبر عنهم بخبرين عظيمين : أحدهما هداية اللّه لهم وذلك في الدنيا والآخر بجريان الأنهار ، وذلك في الآخرة . كما تضمنت الآية في الكفار شيئين : أحدهما : اتصافهم بانتفاء رجاء لقاء اللّه وما عطف عليه ، والثاني : مقرهم ومأواهم وذلك النار ، فصار تقسيماً للفريقين في المعنى . وتقدّم قول القفال : أن يكون تجري معطوفاً حذف منه الحرف ، وأن يكون حالاً ومعنى من تحتهم أي : من تحت منازلهم . وقيل : من بين أيديهم ، وليس التحت الذي هو بالمسافة ، بل يكون إلى ناحية من الإنسان . ومنه :{ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} وقال : وهذه الأنهار تجري من تحتي . قال الزمخشري: { فإن قلت } : دلت هذه الآية على أنّ الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة هو الإيمان المقيد ، وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح ، والإيمان الذي لم يقترن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور . { قلت} : الأمر كذلك ، ألا ترى كيف أوقع الصلة مجموعاً فيها بين الإيمان والعمل كأنه قال : إنّ الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ثم قال : بإيمانهم ، أي بإيمانهم المضموم إليه هذا العمل الصالح ، وهو بين واضح لا شبهة فيه انتهى . وهو على طريقة الاعتزال . وجوزوا في جنات النعيم أن يتعلق بتجري ، وأن يكون حالاً من الأنهار ، وأن يكون خبراً بعد خبر ، لأنّ ومعنى دعواهم : دعاؤهم ونداؤهم ، لأنّ اللّهم نداء اللّه ، والمعنى : اللّهم إنا نسبحك كقول القانت في دعاء القنوت : اللّهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد . وقيل : عبادتهم كقوله : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّه } ولا تكليف في الجنة ، فيكون ذلك على سبيل الابتهاج والالتذاذ ، وأطلق عليه العبادة مجازاً . وقال أبو مسلم : فعلهم وإقرارهم . وقال القاضي : طريقهم في تقديس اللّه وتحميده . وتحيتهم أي ما يحيي به بعضهم بعضاً ، فيكون مصدراً مضافاً للمجموع لا على سبيل العمل ، بل يكون كقوله :{ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } وقيل : يكون مضافاً إلى المفعول ، والفاعل اللّه تعالى أو الملائكة أي : تحية اللّه إياهم ، أو تحية الملائكة إياهم . وآخر دعواهم أي : خاتمة دعائهم وذكرهم . قال الزجاج : أعلم تعالى أنهم يبتدئون بتنزيهه وتعظيمه ، ويختمونن بشكره والثناء عليه . وقال ابن كيسان : يفتتحون بالتوحيد ، ويختمون بالتحميد . وعن الحسن البصري : يعزوه إلى الرسول أنّ أهل الجنة يلهمون التحميد والتسبيح . وأن المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن لازم الحذف ، والجملة بعدها خبر إنْ ، وأن وصلتها خبر قوله : وآخر . وقرأ عكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن يعمر ، وبلال بن أبي بردة ، وأبو مجلز ، وأبو حيوة ، وابن محيصن ، ويعقوب : أن الحمد بالتشديد ونصب الحمد . قال ابن جني : ودلت على أنّ قراءة الجمهور بالتخفيف ، ورفع الحمد هي على أنْ هي المخففة كقول الأعشى : في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل يريد أنه هالك إذا خففت لم تعمل في غير ضمير أمر محذوف . وأجاز المبرد إعمالها كحالها مشددة ، وزعم صاحب النظم أنّ أنْ هنا زائدة ، والحمد للّه خبر ، وآخر دعواهم . وهو مخالف لنص سيبويه والنحويين ، وليس هذا من محال زيادتها .  | 
	
﴿ ١٠ ﴾