١١{وَلَوْ يُعَجّلُ اللّه لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } : قال مجاهد : نزلت في دعاء الرجل على نفسه وماله أو ولده ونحو هذا . فأخبر تعالى لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله منهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم ، ثم حذف بعد ذلك من القول جملة يتضمنها الظاهر تقديره : فلا يفعل ذلك ، ولكن نذر الذين لا يرجون فاقتضب القول ، ووصل إلى هذا المعنى بقوله : فنذر الذين لا يرجون ، فتأمل هذا التقدير تجده صحيحاً قاله ابن عطية . وقيل : نزلت في قولهم : إئتنا بما تعدنا ، وما جرى مجراه . وقال الزمخشري : والمراد أهل مكة . وقولهم : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } يعني : ولو عجلنا لهم الشر الذي عوا به كما نعجل لهم الخير لأميتوا وأهلكوا . قال : { فإن قلت } : كيف اتصل به فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ، وما معناه ؟ { قلت} : قوله : ولو يعجل اللّه متضمن معنى نفي التعجيل كأنه قال : ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم ، فنذرهم في طغيانهم ، أو فنمهلهم ، ونقيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاماً للحجة عليهم . ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر عجب الناس من إيحاء اللّه إلى رجل منهم ، وكان فيما أوحي إليه الإنذار والتبشير ، وكانوا يستهزؤون بذلك ولا يعتقدون حلول ما أنذروه بهم فقالوا : { فأمطر علينا حجارة } وقال إخباراً عنهم : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ } وقالوا :{ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } ثم استطرد من ذلك إلى وحدانيته تعالى ، وذكر إيجاده العالم ، ثم إلى تقسيم الناس إلى مؤمن وكافر ، وذكر منازل الفريقين ثم رجع إلى أن ذلك المنذر به الذي طلبوا وقوعه عجلاً لو وقع لهلكوا ، فلم يكن في إهلاكهم رجاء إيمان بعضهم ، وإخراج مؤمن من صلهم بل اقتضت حكمته أنْ لا يعجل لهم ما طلبوه ، لما ترتب على ذلك . وانتصب استعجالهم على أنه مصدر مشبه به . ف قال الزمخشري : أصله ولو يعجل اللّه للناس الشر تعجيله لهم الخير ، فوضع استعجاله لهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم ، كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم . وقال الحوفي وابن عطية : التقدير مثل استعجالهم ، وكذا قدره أبو البقاء . ومدلول عجل غير مدلول استعجل ، لأنّ عجل يدل على الوقوع ، واستعجل يدل على طلب التعجيل ، وذاك واقع من اللّه ، وهذا مضاف إليهم فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري ، فيحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون التقدير تعجيلاً مثل استعجالهم بالخير ، فشبه التعجيل بالاستعجال ، لأنّ طلبهم للخير ووقوع تعجيله مقدم عندهم على كل شيء . والثاني : أن يكون ثم محذوف يدل عليه المصدر تقديره : ولو يعجل اللّه للناس الشر إذا استعجلوا به استعجالهم بالخير ، لأنّهم كانوا يستعجلون بالشر ووقوعه على سبيل التهكم ، كما كانوا يستعجلون بالخير . وقرأ ابن عامر : لقضى مبنياً للفاعل أجلهم بالنصب ، والأعمش لقضينا ، وباقي السبعة مبنياً للمفعول ، وأجلهم بالرفع . وقضى أكمل ، والفاء في فنذر جواب ما أخبر به عنهم على طريق الاستئناف تقديره : فنحن نذر قاله الحوفي . وقال أبو البقاء : فنذر معطوف على فعل محذوف تقديره : ولكن نمهلهم فنذر . |
﴿ ١١ ﴾