١٢{وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى } : ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما استدعوا حلول الشر بهم ، وأنه تعالى لا يفعل ذلك بطلبهم بل يترك من يرجو لقاءه يعم في طغيانه ، بيِّن شدة افتقار الناس إليه واضطرارهم إلى استمطار إحسانه مسيئهم ومحسنهم ، وأنّ من لا يرجو لقاءه مضطر إليه حاله مس الضر له ، فكل يلجأ إليه حينئذ ويفرده بأنه القادر على كشف الضر . والظاهر أنه لا يراد بالإنسان هنا شخص معين كما قيل : إنه أبو حذيفة هاشم بن المغيرة بن عبد اللّه المخزومي قاله : ابن عباس ومقاتل . وقيل : عقبة بن ربيعة . وقيل : الوليد بن المغيرة . وقيل : هما قاله عطاء . وقيل : النضر بن الحرث ، وأنه لا يراد به الكافر ، بل ، المراد الإنسان من حيث هو ، سواء كان كافراً أم عاصياً بغير الكفر . واحتملت هذه الأقوال الثلاثة أن تكون لشخص واحد ، واحتملت أن تكون لأشخاص ، إذ الإنسان جنس . والمعنى : أنّ الذي أصابه الضر لا يزال داعياً ملتجئاً راغباً إلى اللّه في جميع حالاته كلها . وابتدأ بالحالة الشاقة وهي اضطجاعه وعجزه عن النهوض ، وهي أعظم في الدعاء وآكد ثم بما يليها ، وهي حالة القعود ، وهي حالة العجز عن القيام ، ثم بما يليها وهي حالة القيام وهي حالة العجز عن المشي ، فتراه يضطرب ولا ينهض للمشي كحالة الشيخ الهرم . ولجنبه حال أي : مضطجعاً ، ولذلك عطف عليه الحالان ، واللام على بابها عند البصريين والتقدير : ملقياً لجنبه ، لا بمعنى على خلافاً لزاعمه . وذو الحال الضمير في دعانا ، والعامل فيه دعانا أي : دعانا ملتبساً بأحد هذه الأحوال . و قال ابن عطية : ويجوز أن يكون حالاً من الإنسان ، والعامل فيه مس . ويجوز أن يكون حالاً من الفاعل في دعانا ، والعامل فيه دعا وهما معنيان متباينان . والضر : لفظ عام لجميع الأمراض . والرزايا في النفس والمال والأحبة ، هذا قول اللغويين . وقيل : هو مختص برزايا البدن الهزال والمرض انتهى . والقول الأول قول الزجاج . وضعف أبو البقاء أن يكون لجنبه فما بعده أحوالاً من الإنسان والعامل فيها مس ، قال : لأمرين : أحدهما : أنّ الحال على هذا واقع بعد جواب إذا وليس بالوجه . والثاني : أنّ المعنى كثرة دعائه في كل أحواله ، لا على الضر يصيبه في كل أحواله ، وعليه آيات كثيرة في القرآن انتهى . وهذه الثاني يلزم فيه من مسه الضر في هذه الأحوال دعاؤه في هذه الأحوال ، لأنه جواب ما ذكرت فيه هذه الأحوال ، فالقيد في حيز الشرط قيد في الجواب كما تقول : إذا جاءنا زيد فقيراً أحسنا إليه ، فالمعنى : أحسنا إليه في حال فقره ، فالقيد في الشرط قيد في الجزاء . ومعنى كشف الضر : رفعه وإزالته ، كأنه كان غطاء على الإنسان ساتراً له . وقال صاحب النظم : وإذا مس الإنسان وصفه للمستقبل ، وفلما كشف للماضي فهذا النظم يدل على أن معنى الآية : أنه هكذا كان فيما مضى وهكذا يكون في المستقبل ، فدل ما في الآية من الفعل المستقبل على ما فيه من المعنى المستقبل ، وما فيه من الفعل الماضي على ما فيه من المعنى الماضي انتهى . والمرور هنا مجاز عن المضي على طريقته الأول من غير ذكر لما كان عليه من البلاء والضر . وقال مقاتل : أعرض عن الدعاء . وقيل : مرّ عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه ، كأنه لا عهد له به ، وهذا قريب من القول الذي قبله . والجملة من قوله : كان لم يدعنا إلى ضر مسه في موضع الحال ، أي إلى كشف ضر مسه . قال ابن عطية : وقوله مر ، يقتضي أنّ نزولها في الكفار ، ثم هي بعد تتناول كل من دخل تحت معناها من كافر وعاص يعني الآية مر في إشراكه باللّه وقلة توكله عليه انتهى . والكاف من كذلك في موضع نصب أي : مثل ذلك . وذلك إشارة إلى تزيين الإعراض عن الابتهال إلى اللّه تعالى عند كشف الضر وعدم شكره وذكره على ذلك ، وزين مبني للمفعول ، فاحتمل أن يكون الفاعل اللّه إمّا على سبيل الخلق ذلك واختراعه في قلوبهم كما يقول أهل السنة ، وإما بتخليته وخذلانه كما تقول المعتزلة ، أو الشيطان بوسوسته ومخادعته . قيل : أو النفس . وفسر المسرفون بالكافرين والكافر مسرف لتضييعه السعادة الأبدية بالشهوة الخسيسة المنقضية ، كما يضيع المنفق ماله متجاوزاً فيه الحدَّ ما كانوا يعملون من الإعراض عن جناب اللّه وعن اتباع الشهوات . |
﴿ ١٢ ﴾