١٤{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذالِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِى الاْرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } : هذا إخبار لمعاصري الرسول صلى اللّه عليه وسلم وخطاب لهم بإهلاك من سلف قبلهم من الأمم بسبب ظلمهم وهو الكفر ، على سبيل الردع لهم والتذكير بحال من سبق من الكفار ، والوعيد لهم ، وضرب الأمثال ، فكما فعل بهؤلاء ، يفعل بكم . ولفظة لما مشعرة بالعلية ، وهي حرف تعليق في الماضي . ومن ذهب إلى أنها ظرف معمول لأهلكنا كالزمخشري متبعاً لغيره ، فإنما يدل إذْ ذاك على وقوع الفعل في حين الظلم ، فلا يكون لها إشعار إذ ذاك بالعلية . لو قلت : جئت حين قام زيد ، لم يكن مجيئك متسبباً عن قيام زيد ، وأنت ترى حيثما جاءت لما كان جوابها أو ما قام مقامه متسبباً عما بعدها ، فدل ذلك على صحة مذهب سيبويه من أنها حرف وجوب لوجوب . وجاءتهم ظاهرة أنه معطوف على ظلموا أي : لما حصل هذان الأمران : مجيء الرسل بالبينات ، وظلمهم أهلكوا . وقال الزمخشري : والواو في وجاءتهم للحال أي : ظلموا بالتكذيب ، وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم وهي المعجزات انتهى . وقال مقاتل : البينات مخوفات العذاب ، والظاهر أنّ الضمير في قوله وما كانوا عائداً على القرون ، وأنه معطوف على قوله : ظلموا . وجوّز الزمخشري أن يكون اعتراضاً لا معطوفاً قال : واللام لتأكيد النفي بمعنى : وما كانوا يؤمنون حقاً تأكيداً لنفي إيمانهم ، وأن اللّه تعالى قد علم أنهم مصرون على كفرهم ، وأنّ الإيمان مستبعد منهم والمعنى : أنّ السبب في إهلاكهم تعذيبهم الرسل ، وعلم اللّه أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل انتهى . وقال مقاتل : الضمير في قوله : وما كانوا ليؤمنوا ، عائد على أهل مكة ، فعلى قوله يكون التفاتاً ، لأنه خرج من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة ، ويكون متسقاً مع قوله : وإذا تتلى عليهم . والكاف في كذلك في موضع نصب أي : مثل ذلك الجزاء ، وهو الإهلاك . نجزي القوم المجرمين فهذا وعيد شديد لمن أجرم ، يدخل فيه أهل مكة وغيرهم . وقرأت فرقة : يجزى بالياء ، أي يجزى اللّه ، وهو التفات . والخطاب في جعلناكم لمن بعث إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقيل : خطاب لمشركي مكة ، والمعنى : استخلفناكم في الأرض بعد القرون المهلكة للنظر أتعملون خيراً أم شراً فنعاملكم على حسب عملكم . ومعنى لننظر : لنتبين في الوجود ما عملناه أولاً ، فالنظر مجاز عن هذا . قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز النظر على اللّه تعالى وفيه معنى المقابلة ؟ { قلت} : هو مستعار للعلم المحقق الذي هو علم بالشيء موجود ، أشبه بنظر الناظر وعيان المعاين في حقيقته انتهى . وفيه دسيسة الاعتزال ، وأنه يلزم من النظر المقابلة ، وفيه إنكار وصفه تعالى بالبصير ورده إلى معنى العلم . وقيل : لننظر ، هو على حذف مضاف أي : لينظر رسلنا وأولياؤنا . وأسند النظر إلى اللّه مجازاً ، وهو لغيره . وقرأ يحيى بن الحرث الزماري : لنظر ، بنون واحدة وتشديد الظاء وقال : هكذا رأيته في مصحف عثمان بن عفان رضي اللّه عنه ، ويعني : أنه رآها بنون واحدة ، لأن النقط والشكل بالحركات والتشديدات إنما حدث بعد عثمان ، ولا يدل كتبه بنون واحدة على حذف النون من اللفظ ، ولا على إدغامها في الظاء ، لأن أدغام النون في الظاء لا يجوز ، ومسوغ حذفها أنه لا أثر لها في الأنف ، فينبغي أن تحمل قراءة يحيى على أنه بالغ في إخفاء الغنة ، فتوهم السامع أنه إدغام ، فنسب ذلك إليه . وكيف معموله لتعملون ، والجملة في موضع نصب لننظر ، لأنها معلقة . وجاز التعليق في نظر وإن لم يكن من أفعال القلوب ، لأنها وصلة فعل القلب الذي هو العلم . |
﴿ ١٤ ﴾