١٨

{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّه قُلْ أَتُنَبّئُونَ اللّه بِمَا لاَ } : الضمير في ويعبدون عائد على كفار قريش الذين تقدمت محاورتهم . وما لا يضرهم ولا ينفعهم هو الأصنام ، جماد لا تقدر على نفع ولا ضر . قيل : إنْ عبدوها لم تنفعهم ، وإن تركوا عبادتها لم تضرهم . ومن حق المعبود أن يكون مثيباً على الطاعة معاقباً على المعصية ، وكان أهل الطائف يعبدون اللات ، وأهل مكة العزى ومناة وأسافاً ونائلة وهبل ، والأخبار بهذا عن الكفار هو على سبيل التجهيل والتحقير لهم ولمعبوداتهم ، والتنبيه على أنهم عبدوا من لا يستحق العبادة .

وفي قوله : من دون اللّه ، دلالة على أنهم كانوا يعبدون الأصنام ولا يعبدون اللّه . قال ابن إسحاق : يعنون في الآخرة . وقال النضر بن الحرث : إذا كان يوم القيامة شفعت في اللات والعزى . وقال الحسن : شفعاؤنا في إصلاح معايشنا في الدنيا لأنهم لا يقرون بالبعث . وأتنبئون استفهام على سبيل التهكم بما ادّعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام ، وإعلام بأنّ الذي أنبأوا به باطل غير منطو تحت الصحة ، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه ، وما موصولة بمعنى الذي .

قال الزمخشري : بكونهم شفعاء عنده ، وهو إنباء ما ليس بمعلوم للّه تعالى ، وإذا لم يكن معلوماً له وهو العالم الذات المحيط بجميع المعلومات لم يكن شيئاً لأنّ الشيء ما يعلم ويخبر عنه فكان خبراً ليس له مخبر عنه انتهى . فتكون ما واقعة على الشفاعة ، والفاعل بيعلم هو اللّه ، والمفعول الضمير المحذوف العائد على ما . وقوله : في السموات ولا في الأرض تأكيد لنفيه ، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم قاله الزمخشري . وفي التحرير : أتنبئون ، معناه التهكم والتقريع والتوبيخ والإنكار ، والمعنى على هذا : أتخبرون اللّه بما يعلم خلافه في السموات والأرض ، فإن صفات الذات لا يجري فيها النفي .

وقيل : أتخبرون اللّه بما لا يعلمه موجوداً في السموات والأرض ، فكيف يصح وجود ما لا يعلمه اللّه ، وهو كما يقال للرجل : قد قلت كذا ، فيقول : ما علم اللّه هذا مني ، أي ما كان هذا قط ، إذ لو كان لعلمه اللّه انتهى .

والذي يظهر أنّ ما موصول يراد به الأصنام لا الشفاعة التي ادعوها ، والفاعل بيعلم ضمير يعود على ما لا على اللّه ، وذلك على حذف مضاف والمعنى : قل أتعلمون اللّه بشفاعة الأصنام التي انتفي علمها في السموات والأرض أي : ليست متصفة بعلم البتة ، فيكون ذلك رداً عليهم في دعواهم أنها تشفع عند اللّه ، لأنّ من كان منتفياً عنه العلم فكيف يشفع وهو لا يعلم من يشفع فيه ، ولا ما يشفع فيه ، ولا من تشفع عنده ؟ كما رد عليهم في العبادة بقوله : ما لا يضرهم ولا ينفعهم ، فانتفاء الضر والنفع قادح في العبادة ، وانتفاء العلم قادح في الشفاعة ، فتبطل العبادة ودعوى الشفاعة ، ويكون قوله : في السموات والأرض على هذا تنبيهاً على محال المعبودات المدعي شفاعتهم ، إذ من المعبودات السماوية الكواكب كالشمس والشعرى . وقرىء : أتنبئون بالتخفيف من أنبأ . ولما ذكر تعالى عبادتهم ما لا يضر ولا ينفع ، وكان ذلك إشراكاً ، استأنف تنزيهاً بقوله سبحانه وتعال . وما يحتمل أن تكون بمعنى الذي ومصدرية أي : شركاهم الذين يشركونهم به ، أو عن إشراكهم .

وقرأ العربيان والحرميان وعاصم : يشركون بالياء على الغيبة هنا ، وفي حرفي النحل ، وحرفي في الروم . وذكر أبو حاتم أنه قرأها كذلك الحسن والأعرج وابن القعقاع وشيبة وحميد وطلحة والأعمش .

وقرأ ابن كثير ونافع ، وابن عامر ، في النمل فقط بالياء على الخطاب ، وعاصم وأبو عمرو بالياء على الغيبة .

وقرأ حمزة والكسائي الخمسة بالتاء على الخطاب ، وأتى بالمضارع ولم

يأت عن ما أشركوا للدلالة على استمرار حالهم ، كما جاءوا يعبدون وأنهم على الشرك في المستقبل ، كما كانوا عليه في الماضي .

﴿ ١٨