١٧{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن } : لمّا ذكر حال من يريد الحياة الدنيا ذكر حال من يريد وجه اللّه تعالى بأعماله الصالحة ، وحذف المعادل الذي دخلت عليه الهمزة والتقدير : كمن يريد الحياة الدنيا . وكثيراً ما حذف في القرآن كقوله :{ أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً } وقوله :{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الَّيْلِ } وهذا استفهام معناه اتقرير . قال الزمخشري : أي ، لا تعقبونهم في المنزلة ولا تفارقونهم ، يريد أنّ بين الفريقين تفاوتاً بعيداً وتبايناً بيناً ، وأراد بهم من آمن من اليهود كعبد اللّه بن سلام وغيره ، كان على بينة من ربه أي : على برهان من اللّه تعالى وبيان أن دين الإسلام حق وهو دليل العقل ، ويتلوه ويتبع ذلك البرهان شاهد منه أي : شاهد يشهد بصحته وهو القرآن منه من اللّه ، أو شاهد من القرآن ومن قبله . ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة أي : ويتلو ذلك أيضاً من قبل القرآن كتاب موسى . وقرىء كتاب موسى بالنصب ، ومعناه كان على بينة من ربه وهو الدليل على أنّ القرآن حق ، ويتلوه ويقرأ القرآن شاهد منه ، شاهد ممن كان على بينة كقوله :{ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْراءيلَ عَلَى مِثْلِهِ } قل :{ كَفَى بِاللّه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }{ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى } ويتلوه ومن قبل التوراة إماماً كتاباً مؤتماً في الدين قدوة فيه انتهى . وقيل في أفمن كان : المؤمنون بالرسول ، وقيل : محمد صلى اللّه عليه وسلم خاصة . وقال علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وقتادة ، ومجاهد ، والضحاك : محمد والمؤمنون جميعاً ، والبينة القرآن أو الرسول ، والهاء للمبالغة والشاهد . قال ابن عباس ، والنخعي ، ومجاهد ، والضحاك ، وأبو صالح ، وعكرمة : هو جبريل . وقال الحسن بن علي : هو الرسول . وقال أيضاً مجاهد : هو ملك وكله اللّه بحفظ القرآن . قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد بهذه الألفاظ جبريل ، وقيل : هو علي بن أبي طالب . وروى المنهال عن عبادة بن عبد اللّه ، قال علي كرم اللّه وجهه : ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية قيل : فما نزل فيك ؟ قال : ويتلوه شاهد منه ، وبه قال محمد بن علي وزيد بن علي . وقيل : هو الإنجيل قاله : الفراء . وقيل : هو القرآن ، وقيل : هو إعجاز القرآن قاله الحسين بن الفضل ، وقيل : صورة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ووجهه ومخايله ، لأنّ كل عاقل نظر إليه علم أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقيل : هو أبو بكر رضي اللّه تعالى عنه ، والضمير في منه يعود إلى الدين أو إلى الرسول ، أو إلى القرآن . ويتلوه بمعنى يتعه ، أو يقرؤه ، والضمير المرفوع في يتلوه والمنصوب والمجرور في منه يترتب على ما يناسبه كل قوم من هذه . وقرأ محمد بن السائب الكلبي وغيره : كتاب موسى بالنصب عطفاً على مفعول يتلوه ، أو بإضمار فعل . وإذا لم يعن بالشاهد الإنجيل فإنما خص التوراة بالذكر ، لأنّ الملتين مجتمعتان على أنها من عند اللّه ، والإنجيل يخالف فيه اليهود ، فكان الاستشهاد بما تقوم به الحجة على الفريقين أولى . وهذا يجري مع قول الجن : { إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى } ومع قول النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة . وانتصب إماماً على الحال ، والذي يظهر في تفسير هذه الآية أنه تعالى لما ذكر الكفار وأنهم ليس لهم إلا النار ، أعقب بضدهم وهم المؤمنون ، وهم الذين على بينة من ربهم ، والشاهد القرآن ، ومنه عائد على ربه . ويدل على أنّ الشاهد القرآن ذكر قوله : ومن قبله ، أي : ومن قبل القرآن كتاب موسى ، فمعناه : أنه تظافر على هدايته شيئان : كونه على أمر واضح من برهان العقل ، وكونه يوافق ذلك البرهان هذين الكتابين الإلهيين القرآن والتوراة ، فاجتمع له العقل والنقل . والإشارة بأولئك إلى من كان على بينة راعي معنى مع ، فجمع والضمير في به يعود إلى التوراة ، أو إلى القرآن ، أو إلى الرسول ، ثلاثة أقوال . والأحزاب جميع الملل قاله : ابن جبير ، أو اليهود ، والنصارى ، قاله قتادة . أو قريش قاله : السدي ، أو بنو أمية وبنو المغيرة بن عبد اللّه المخزومي ، وآل أبي طلحة بن عبيد اللّه ، قاله مقاتل . وقال الزمخشري : يعني أهل مكة ومن ضامّهم من المتحزبين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتهى . فالنار موعده أي : مكان وعده الذي يصيرون إليه . وقال حسان : أوردتمونا حياض الموت ضاحية فالنار موعدها والموت لاقيها والضمير في منه عائد على القرآن ، وقيل : على الخبر ، بأن الكفار موعدهم النار . وقرأ الجمهور : في مرية بكسر الميم ، وهي لغة الحجاز . وقرأ السلمي ، وأبو رجاء ، وأبو الخطاب السدوسي ، والحسن : بضمها وهي لغة أسد وتميم والناس أهل مكة قاله : ابن عباس ، أو جميع الكفار من شاك وجاهل ومعاند قاله : صاحب العيتان . |
﴿ ١٧ ﴾