٦٨

{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يأَبَانَا أَبَانَا مَا نَبْغِى هَاذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ...}

قرأ علقمة ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، ردت بكسر الراء ، نقل حركة الدال المدغمة إلى الراء بعد توهم خلوها من الضمة ، وهي لغة لبني ضبة ، كما نقلت العرب في قيل وبيع .

وحكى قطرب : النقل في الحرف الصحيح غير المدغم نحو : ضرب زيد ، سموا المشدود المربوط بجملته متاعاً ، فلذلك حسن الفتح فيه وما نبغي ، ما فيه استفهامية أي : أي شيء نبغي ونطلب من الكرامة هذه أموالنا ردت إلينا قاله قتادة . وكانوا قالوا لأبيهم : قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة ، لو كان رجلاً من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته . وقال الزجاج : يحتمل أن تكون ما نافية أي : ما بقي لنا ما نطلب . ويحتمل أيضاً أن تكون نافية من البغي أي : ما افترينا فكذبنا على هذا الملك ، ولا في وصف إجماله وإكرامه هذه البضاعة مردودة ، وهذا معنى قول الزمخشري ما نبغي في القول ما تتزيد فيما وصفنا لك من إحسان الملك والكرامة .

وقيل : معناه ما نريد منك بضاعة أخرى .

وقرأ عبد اللّه وأبو حيوة : ما تبغي بالتاء على خطاب يعقوب ، وروتها عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ويحتمل ما في هذه القراءة الاستفهام والنفي كقراءة النون .

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : ونميز بضم النون ، والجملة من قولهم هذه بضاعتنا ردت إلينا موضحة لقولهم : ما نبغي ، والجمل بعدها معطوفة عليها على تقدير : فنستظهر بها ونستعين بها ونمير أهلنا في رجوعنا إلى الملك ، ونحفظ أخانا فلا يصيبه شيء مما تخافه . وإذا كان ما نبغي ما نتزيد وما نكذب ، جاز أن يكون ونمير معطوفاً على ما نبغي أي : لا نبغي فيما نقول ، ونمير أهلنا ونفعل كيت وكيت . وجاز أن يكون كلاماً مبتدأ ، وكرروا حفظ الأخ مبالغة في الحض على إرساله ، ونزداد باستصحاب أخينا . وسق بعير على أوساق بعيرنا ، لأنه إنما كان حمل لهم عشرة أبعرة ، ولم يحمل الحادي عشر لغيبة صاحبه . والظاهر أنّ البعير هو من الإبل . وقال مجاهد : كيل حمار ، قال : وبعض العرب تقول للحمار : بعير ، وهذا شاذ . والظاهر أنّ قوله : ذلك كيل يسير ، من كلامهم لا من كلام يعقوب ، والإشارة بذلك الظاهر أنها إلى كيل بعير أي : يسير ، بمعنى قليل ، يحببنا إليه الملك ولا يضايقنا فيه ، أو يسير بمعنى سهل متيسر لا يتعاظمه .

وقيل : يسير عليه أن يعطيه . وقال الحسن : وقد كان يوسف عليه السلام وعدهم أن يزيدهم حمل بعير بغير ثمن .

قال الزمخشري : أي ذلك مكيل قليل لا يكفينا يعني : ما يكال لهم ، فازدادوا إليه ما يكال لأخيه . ويجوز أن يكون من كلام يعقوب أي : حمل بعير واحد شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد ، كقوله : ذلك ليعلم انتهى . ويعني أن ظاهر الكلام أنه من كلامهم ، وهو من كلام يعقوب ، كما أن قوله : ذلك ليعلم ، ظاهره أنه من كلام امرأة العزيز ، وهو من كلام يوسف . وهذا كله تحميل للفظ القرآن ما يبعد تحميله ، وفيه مخالفة الظاهر لغير دليل . ولما كان يعقوب غير مختار لإرسال ابنه ، وألحوا عليه في ذلك ، علق إرساله بأخذ الموثق عليهم وهو الحلف باللّه ، إذ به تؤكد العهود وتشدد

ولتأتني به جواب للحلف ، لأن معنى حتى تؤتون موثقاً : حتى تحلفوا لي لتأتنني به . وقوله : إلا أن يحاط بكم ، لفظ عام لجميع وجوه الغلبة ، والمعنى : نعمكم الغلبة من جميع الجهات حتى لا يكون لكم حيلة ولا وجه تخلص . وقال مجاهد : إلا أن تهلكوا . وعنه أيضاً : إلا أن تطيقوا ذلك . وهذا الاستثناء من المفعول من أجله مراعى في قوله : لتأتنني ، وإن كان مثبتاً معنى النفي ، لأن المعنى : لا تمتنعون من الإتيان به لشيء من الأشياء إلا لأن يحاط بكم . ومثاله من المثبت في اللفظ ومعناه النفي قولهم : أنشدك اللّه إلا فعلت أي : ما أنشدك إلا الفعل . ولا يجوز أن يكون مستثنى من الأحوال مقدراً بالمصدر الواقع حالاً ، وإن كان صريح المصدر قد يقع حالاً ، فيكون التقدير : لتأتنني به على كل حال إلا إحاط بكم أي : محاطاً بكم ، لأنهم نصوا على أنّ أنْ الناصبة للفعل لا تقع حالاً وإن كانت مقدرة بالمصدر الذي قد يقع بنفسه حالاً . فإن جعلت أنْ والفعل واقعة موقع المصدر الواقع ظرف زمان ، ويكون التقدير : لتأتنني به في كل وقت إلا إحاطة بكم أي : إلا وقت إحاطة بكم .

قلت : منع ذلك ابن الأنباري فقال : ما معناه : يجوز خروجنا صياح الديك أي : وقت صياح الديك ، ولا يجوز خروجنا أن يصيح الديك ، ولا ما يصيح الديك . وإن كانت أنْ وما مصدريتين ، وإنما يقع ظرفا المصدر المصرح بلفظه . وأجاز ابن جني أن تقع أنْ ظرفاً ، كما يقع صريح المصدر ، فأجاز في قول تأبط شراً : وقالوا لها لا تنكحيه فإنه

لأول فصل أن يلاقي مجمعا

وقول أبي ذؤيب الهذلي : وتاللّه ما أن شهلة أم واحد

بأوجد مني أن يهان صغيرها

أنْ يكون أنْ تلاقي تقديره : وقت لقائه الجمع ، وأن يكون أنْ يهان تقديره : وقت إهانة صغيرها . فعلى ما أجازه ابن جني يجوز أن تخرج الآية ويبقى لتأتنني به على ظاهره من الإثبات ، ولا يقدر فيه معنى النفي . وفي الكلام حذف تقديره : فأجابوه إلى ما طلبه ، فلما آتوه موثقهم قال يعقوب : اللّه على ما نقول من طلب الموثق وإعطائه وكيل رقيب مطلع .

ونهيه إياهم أن يدخلوا من باب واحد هو خشية العين ، وكانوا أحد عشر لرجل واحد أهل جمال وبسطة قاله : ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة ، وغيرهم ، والعين ، حق . وفي الحديث :  { إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر وفي التعوذ ومن كل عين لامة } وخطب الزمخشري فقال : لأنهم كانوا ذوي بهاء وشارة حسنة ، وقد أشهرهم أهل مصر بالقربة عند الملك والكرامة الخاصة التي لم تكن لغيرهم ، فكانوا مظنة لطموح الأبصار إليهم من الوفود ، وأن يشار إليهم بالأصابع ،

ويقال : هؤلاء أضياف الملك انظروا إليهم ما أحسنهم من فتيان ، وما أحقهم بالإكرام ، لأمر ما أكرمهم الملك وقربهم وفضلهم على الوافدين عليه . فخاف لذلك أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا لجمالهم وجلالة أمرهم في الصدور ، ويصيبهم ما يسوءهم ، ولذلك لم يوصهم بالتفرق في المرة الأولى ، لأنهم كانوا مجهولين معمورين بين الناس انتهى . ويظهر أنّ خوفه عليهم من العين في هذه الكرة بحسب أنّ محبوبه فيهم وهو بنيامين الذي كان يتسلى به عن شقيقه يوسف ، ولم يكن فيهم

في الكرة الأولى ، فأهمل أمرهم ولم يحتفل بهم لسوء صنيعهم في يوسف .

وقيل : نهاهم خشية أن يستراب بهم لقول يوسف : أنتم جواسيس .

وقيل : طمع فافتراقهم أن يتسمعوا خبر يوسف ، ثم نفى عن نفسه أنْ يغني عنهم شيئاً يعني : بوصاته ، إنْ الحكم إلا للّه أي : هو الذي يحكم وحده وينفذ ما يريد ، فعليه وحده توكلت . ومن حيث أمرهم أبوهم أي : من أبواب متفرقة . روي أنهم لما ودعوا أباهم قال لهم : بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له : إن أبانا يصلي عليك ، ويدعو لك ، ويشكر صنيعك معنا . وفي كتاب أبي منصور المهراني : أنه خاطبة بكتاب قرىء على يوسف فبكى . وجواب لما قوله : ما كان يغني عنهم من اللّه من شيء ، وفيه حجة لمن زعم أن لما حرف وجوب لوجوب لا ، ظرف زمان بمعنى حين ، إذ لو كانت ظرف زمان ما جاز أن تكون معمولة لما بعد ما النافية . لا يجوز حين قام زيد ما قام عمرو ، ويجوز لما قام زيد ما قام عمرو ، فدل ذلك على أنّ لما حرف يترتب جوابه على ما بعده . و

قال ابن عطية : ويجوز أنْ يكون جواب لما محذوفاً مقدراً ، ثم يخبر عن دخولهم أنه ما كان يغني . ومعنى الجملة : لم يكن في دخولهم متفرقين دفع قدر اللّه الذي قضاه عليهم من تشريفهم وافتضاحهم بذلك ، وأخذ أخيهم بوجدان الصاع في رحله ، وتزايد مصيبته على أبيهم ، بل كان إرباً ليعقوب قضاه وتطييباً لنفسه .

وقيل : معنى ما كان يغني عنهم من اللّه من شيء ، ما يرد عنهم قدراً لأنه لو قضى أنْ يصيبهم عين لإصابتهم متفرقين أو مجتمعين ، وإنما طمع يعقوب أن تصادف وصيته قدر السلامة ، فوصى وقضى بذلك حاجة نفسه في أن بقي يتنعم برجائه أن يصادف وصيته القدر في سلامتهم . وإنه لذو علم يعني لقوله : إن الحكم إلا للّه ، وما بعده وعلمه بأنّ القدر لا يدفعه الحذر . وهذا ثناء من اللّه على يعقوب عليه السلام . وقال قتادة : لعامل بما علمناه . وقال سفيان : من لا يعمل لا يكون عالماً ، ولفظة ذو وعلم لا تساعده على هذا التفسير وإن كان صحيحاً في نفسه .

وقرأ الأعمش : مما علمناه .

﴿ ٦٨