٥٥

وما منع الناس . . . . .

وفي قوله { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ } الآية تأسف

عليهم وتنبيه على فساد حالهم لأن هذا المنع لم يكن بقصد منهم أن يمتنعوا ليجيئهم العذاب ، وإنما امتنعوا هم مع اعتقاد أنهم مصيبون لكن الأمر في نفسه يسوقهم إلى هذا فكان حالهم يقتضي التأسف عليهم . و { النَّاسِ } يراد به كفار عصر الرسول صلى اللّه عليه وسلم الذين تولوا دفع الشريعة وتكذبيها قاله ابن عطية .

وقال الزمخشري : إن الأولى نصب والثانية رفع وقبلهما مضاف محذوف تقديره { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ } الإيمان { إِلا } انتظار { أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الاْوَّلِينَ } وهي الإهلاك {أَوْ } انتظار { أَن يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابَ } يعني عذاب الآخرة انتهى . وهو مسترق من قول الزجاج . قال الزجاج : تقديره ما منعهم من الإيمان { إِلا } طلب { أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الاْوَّلِينَ} وقال الواحدي : المعنى ما منعهم إلاّ أني قد قدّرت عليهم العذاب ، وهذه الآية فيمن قتل ببدر وأحد من المشركين ، وهذا القول نحو من قول من قال التقدير { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ } إلاّ ما سبق في علمنا وقضائنا أن يجري عليهم { قُل لِلَّذِينَ } من عذاب الاستئصال من المسخ والصيحة والخسف والغرق وعذاب الظلة ونحو ذلك ، وأراد بالأولين من أهلك من الأمم السالفة . وقال صاحب الغنيان : إلاّ إرادة أو انتظار أن تأتيهم سنتنا في الأولين ، ومن قدر المضاف هذا أو الطلب فإنما ذلك لاعتقادهم عدم صدق الأنبياء فيما وعدوا به من العذاب كما قال حكاية عن بعضهم { إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ}

وقيل :{ مَا } هنا استفهامية لا نافية ، والتقدير وأي شيء { مَنَعَ النَّاسَ } أن { يُؤْمِنُواْ } و { الْهُدَى } الرسول أو القرآن قولان .

وقرأ الحسن والأعرج والأعمش وابن أبي ليلى وخلف وأيوب وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير والكوفيون بضم القاف والباء ، فاحتمل أن يكون بمعنى { قُبُلاً } لأن أبا عبيدة حكاهما بمعنى واحد في المقابلة ، وأن يكون جمع قبيل أي يجيئهم العذاب أنواعاً وألواناً .

وقرأ باقي السبعة ومجاهد وعيسى بن عمر { قُبُلاً } بكسر القاف وفتح الباء ومعناه عياناً .

وقرأ أبو رجاء والحسن أيضاً بضم القاف وسكون الباء وهو تخفيف قبل على لغة تميم . وذكر ابن قتيبة أنه قرىء بفتحتين وحكاه الزمخشري وقال مستقبلاً .

وقرأ أبيّ بن كعب وابن غزوان عن طلحة قبيلاً بفتح القاف وباء مكسورة بعدها ياء على وزن فعيل .

﴿ ٥٥