٦٠وإذ قال موسى . . . . . برح : زال مضارع يزول ، ومضارع يزال فتكون من أخوات كان الناقصة . الحقب : السنون واحدها حقبة . قال الشاعر : فإن تنأ عنها حقبة لاتلاقها فإنك مما أحدثت بالمحرب وقال الفراء : الحقب سنة ، ويأتي قول أهل التفسير فيه . السرب : المسلك في جوف الأرض . النصب : التعب والمشقة . الصخرة معروفة وهي حجر كبير . السفينة معروفة وتجمع على سفن وعلى سفائن ، وتحذف التاء فيقال سفينة وسفين وهو مما بينه وبين مفردة تاء التأنيث وهو كثير في المخلوق نادر في المصنوع ، نحو عمامة وعمام . وقال الشاعر : متى تأته تأت لج بحر تقاذف في غوار به السفين الأمر البشع من الأمور كالداهية والأد ونحوه . الجدار معروف ويجمع على جدر وجدران . انقض سقط ، ومن أبيات معاياة الأعراب . مرّ كما انقضّ على كوكب عفريت جن في الدجى الأجدل عاب الرجل ذكر وصفاً فيه يذم به ، وعاب السفينة أحدث فيها ما تنقص به . {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ ءاتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَاذَا نَصَباً قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ} {مُوسَى } المذكور في هذه الآية هو موسى بن عمران عليه السلام ، ولم يذكر اللّه في كتابه موسى غيره ، ومن ذهب إلى أنه غيره وهو موسى بن ميشا بن يوسف ، أو موسى بن افراثيم بن يوسف فقول لا يصح ، بل الثابت في الحديث الصحيح وفي التواريخ أنه موسى بن عمر ان نبيّ إسرائيل ، والمرسل هو وأخوه هارون إلى فرعون ، وفتاه هو يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب عليهم الصلاة والسلام ، والفتى الشاب ولما كان الخدم أكثر ما يكونون فتياناً قيل للخادم فتى على جهة حسن الأدب ، وندبت الشريعة إلى ذلك . ففي الحديث : { لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي وليقل فتاي وفتاتي} .{ لفتاة } لأنه كان يخدمه ويتبعه . وقيل : كان يأخذ منه العلم . ويقال : إن يوشع كان ابن أخت موسى عليه السلام وسبب هذه القصة أن موسى عليه السلام جلس يوماً في مجلس لبني إسرائيل وخطب فأبلغ ، فقيل له هل تعلم أحداً أعلم منك ؟ قال : لا ، فأوحى اللّه إليه أن يسير بطول سيف البحر حتى يبلغ { أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } أسير أي لا أزال . قال ابن عطية : وإنما قال هذه المقالة وهو سائر . ومن هذا قول الفرزدق : فما برحوا حتى تهادت نساؤهم ببطحاء ذي قار عباب اللطائم انتهى . وهذا الذي ذكره فيه حذف خبر { لا أَبْرَحُ } وهي من أخوات كان ، ونص أصحابنا على أن حذف خبر كان وأخواتها لا يجوز وإن دل على حذفه إلاّ ما جاء في الشعر من قوله : لهفي عليك للّهفة من خائف يبغي جوارك حين ليس مجير أي حين ليس في الدنيا . وقال الزمخشري : فإ ن قلت :{ لا أَبْرَحُ } إن كان بمعنى لا أزول من برح المكان فقد دل على الإقامة على السفر ، وإن كان بمعنى لا أزال فلا بد من الخبر قلت : هو بمعنى لا أزال وقد حذف الخبر لأن الحال والكلام معاً يدلان عليه ، أما الحال فلأنها كانت حال سفر ، وأما الكلام فلأن قوله { حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية له ، فلا بد أن يكون المعنى لا يبرح مسيري { حَتَّى أَبْلُغَ } على أن { حَتَّى أَبْلُغَ } هو الخبر ، فاما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه وهو ضمير المتكلم ، فانقلب الفعل عن ضمير الغائب إلى لفظ المتكلم وهو وجه لطيف انتهى . وهما وجهان خلطهما الزمخشري : أما الأول : فجعل الفعل مسنداً إلى المتكلم وهو وجه وتقديراً وجعل الخبر محذوفاً كما قدره ابن عطية و { حَتَّى أَبْلُغَ } فضلة متعلقة بالخبر المحذوف وغاية له . والوجه الثاني جعل { لا أَبْرَحُ } مسنداً من حيث اللفظ إلى المتكلم ، ومن حيث المعنى إلى ذلك المقدر المحذوف وجعله { لا أَبْرَحُ } هو { حَتَّى أَبْلُغَ } فهو عمدة إذ أصله خبر للمبتدأ لأنه خبر { أَبْرَحَ} وقال الزمخشري . أيضاً : ويجوز أن يكون المعنى { لا أَبْرَحُ } ما أنا عليه بمعنى ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه { حَتَّى أَبْلُغَ } كما تقول لا أبرح المكان انتهى . يعني إن برح يكون بمعنى فارق فيتعدى إذ ذاك إلى مفعول ويحتاج هذا إلى صحة نقل ، وذكر الطبري عن ابن عباس قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه بمصر ، فلما استقرت الحال خطب يوماً فذكر بآلاء اللّه وأيامه عند بني إسرائيل ، ثم ذكر ما هو عليه من أنه لا يعلم أحداً أعلم منه . قال ابن عطية : وما يرى قط أن موسى عليه السلام أنزل قومه بمصر إلاّ في هذا الكلام ، وما أراه يصح بل المتظاهر أن موسى مات بفحص التيه قبل فتح ديار الجبارين ، وهذا المروي عن ابن عباس ذكره الزمخشري فقال : روي أنه لما ظهر موسى على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بعد هلاك القبط أمره اللّه أن يذكر قومه النعمة فقام فيهم خطيباً فذكر نعمة اللّه ، وقال : إن اللّه اصطفى نبيكم وكلمه فقالوا له : قد علمنا هذا فأي الناس أعلم ؟ قال : أنا فعتب اللّه عليه حين لم يرد العلم إلى اللّه فأوحى اللّه إليه بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر ، كان الخضر في أيام أفريدون قبل موسى وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى ، وذكر أيضاً في أسئلة موسى أنه قال : إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه ، قال : أعلم منك الخضر انتهى . وهذا مخالف لما ثبت في الصحيح من أنه قيل له هل أحد أعلم منك ؟ قال : لا . و { مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } قال مجاهد وقتادة : هو مجتمع بحر فارس وبحر الروم . قال ابن عطية : وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان ، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجتمع البحرين على هذا القول . وقالت فرقة منهم محمد بن كعب القرظي : هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا . وعن أبيّ بإفريقية . وقيل : هو بحر الأندلس والقرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء . وقيل :{ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } بحر ملح وبحر عذب فيكون الخضر على هذا عند موقع نهر عظيم في البحر . وقالت فرقة : البحران كناية عن موسى والخضر لأنهما بحر اعلم . وهذا شبيه بتفسير الباطنية وغلاة الصوفية ، والأحاديث تدل على أنهما بحراً بماء . وقال الزمخشري : من بدع التفاسير أن البحرين موسى والخضر لأنهما كانا بحرين في العلم انتهى . وقيل : بحر القلزم . وقيل : بحر الأزرق . وقرأ الضحاك وعبد اللّه بن مسلم بن يسار { مَجْمَعَ } بكسر الميم الثانية والنضر عن ابن مسلم في كلا الحرفين وهو شاذ ، وقياسه من يفعل فتح الميم كقراءة الجمهور . والظاهر أن { مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } هو اسم مكان جمع البحرين . وقيل : مصدر . قال ابن عباس : الحقب الدهر . وقال عبد اللّه بن عمرو وأبو هريرة : ثمانون سنة . وقال الحسن : سبعون . وقيل : سنة بلغة قريش ذكره الفراء . وقيل : وقت غير محدود قاله أبو عبيدة . والظاهر أن قوله {أَوْ أَمْضِىَ } معطوف على { أَبْلُغُ } فغيا بأحد الأمرين إما ببلوغه المجمع وإما بمضيه { حُقُباً} وقيل : هي تغيية لقوله { لا أَبْرَحُ } كقولك لا أفارقك أو تقضيني حقي ، فالمعنى { لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } إلى أن أمضي زماناً أتيقن معه فوات مجمع البحرين . وقرأ الضحاك { حُقُباً } بإسكان القاف والجمهور بضمها . |
﴿ ٦٠ ﴾