٦٣

قال أرأيت إذ . . . . .

وقال الزمخشري : { أَرَأَيْتَ } بمعنى أخبرني

فإن قلت : فما وجه التئام هذا الكلام فإن كل واحد من { أَرَأَيْتَ } و { إِذْ أَوَيْنَا } و { فَإِنّى نَسِيتُ الْحُوتَ } لا متعلق له ؟

قلت : لما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية فدهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك ، كأنه قال :{ أَرَأَيْتَ } ما دهاني { إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنّى نَسِيتُ الْحُوتَ } فحذف ذلك انتهى . وكون أرأيتك بمعنى أخبرني ذكره سيبويه : وقد أمعّنا الكلام في ذلك في سورة الأنعام وفي شرحنا لكتاب التسهيل .

وأما ما يختص بأرأيت في هذا الموضع فقال أبو الحسن الأخفش : إن العرب أخرجتها عن معناها بالكلية فقالوا : أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة إذا كانت بمعنى أخبرني ، وإذا كانت بمعنى أبصرت لم تحذف همزتها قال : وشذت أيضاً فألزمتها الخطاب على هذا المعنى ، ولا تقول فيها أبداً أراني زيد عمراً ما صنع ، وتقول هذا على معنى أعلم . وشذت أيضاً فأخرجتها عن موضعها بالكلية بدليل دخول الفاء ألا ترى قوله { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنّى نَسِيتُ الْحُوتَ } فما دخلت الفاء إلاّ وقد أخرجت لمعنى إما أو تنبه ، والمعنى أما { إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ } فالأمر كذا ، وقد أخرجتها أيضاً إلى معنى أخبرني كما قدمنا ، وإذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام ، وقد يخرج لمعنى أما ويكون أبداً بعدها الشرط وظرف الزمان فقوله { فَإِنّى نَسِيتُ الْحُوتَ } معناه أما معناه أما { إِذْ أَوَيْنَا }{ فَإِنّى نَسِيتُ الْحُوتَ } أو تنبه { إِذْ أَوَيْنَا } وليست الفاء إلاّ جواباً لأرأيت ، لأن إذ لا يصح أن يجازي بها إلاّ مقرونة بما بلا خلاف انتهى كلام الأخفش . وفيه إن { أَرَأَيْتَ } إذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه ، وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام وهذان مفقود إن في تقدير الزمخشري { أَرَأَيْتَ } هنا بمعنى أخبرني ، ومعنى { نَسِيتُ الْحُوتَ } نسيت ذكر ما جرى فيه لك .

وفي قوله { وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ } حسن أدب سبب النسيان إلى المتسبب فيه بوسوسته و { أَنْ أَذْكُرَهُ } بدل اشتمال من الضمير العائد على الحوت ، والظاهر أن الضمير في { وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا } عائد على الحوت كما عاد في قوله { وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً } وهو من كلام يوشع .

وقيل : الضمير عائد على موسى أي اتخذ موسى . ومعنى { عَجَبًا } أي تعجب من ذلك أو اتخاذاً{ عَجَبًا } وهو أن أثره بقي إلى حيث سار . وقدره الزمخشري { سَبِيلِهِ }{ عَجَبًا } وهو كونه شبيه السرب قال : أو قال { عَجَبًا } في آخر كلام تعجباً من حاله في رؤية تلك العجيبة ونسيانه لها ، أو مما رأى من المعجزتين وقوله :{ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه .

وقيل : إن { عَجَبًا } حكاية لتعجب موسى وليس بذلك انتهى .

و

قال ابن عطية :{ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا } يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى أي اتخذ الحوت سبيلاً عجباً للناس ، ويحتمل أن يكون قوله { وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ } تمام الخبر ثم استأنف التعجب فقال من قبل نفسه { عَجَبًا } لهذا الأمر ، وموضع العجب أن يكون حوت قد مات وأكل شقه ثم حيي بعد ذلك .

قال أبو شجاع في كتاب الطبري رأيته أتيت به فإذا هو شق حوت وعين واحدة وشق آخر ليس فيه شيّ .

قال ابن عطية : وأنا رأيته والشق الذي فيه شيّ عليه قشرة رقيقة ليست تحتها شوكة ، ويحتمل أن يكون { وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ } الآية إخباراً من اللّه تعالى وذلك على وجهين : إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر { عَجَبًا } أي تعجب منه ،

وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله { عَجَبًا } للناس انتهى .

وقرأ حفص :{ وَمَا أَنْسَانِيهُ } بضم الهاء وفي الفتح عليه اللّه وذلك

في الوصل وأمال الكسائي فتحة السين ، وفي مصحف عبد اللّه وقراءته { أَنْ أَذْكُرَهُ }{ إِلاَّ الشَّيْطَانُ}

وقرأ أبو حيوة : واتخاذ سبيله عطف على المصدر على ضمير المفعول في { أَذْكُرَهُ } والإشارة بقوله ذلك إلى أمر الحوت وفقده واتخاذه سبيلاً في البحر لأنه إمارة الظفر بالطلبة من لقاء ذلك العبد الصالح

﴿ ٦٣