١٥

إن الساعة آتية . . . . .

فقال { إِنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ } وهي التي يظهر عندها ما عمله الإنسان وجزاء ذلك إما ثواباً

وإما عقاباً .

وقرأ أبو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد أَخْفِيها بفتح الهمزة ورويت عن ابن كثير وعاصم بمعنى أظهرها أي إنها من صحة وقوعها وتيقن كونها تكاد تظهر ، ولكن تأخرت إلى الأجل المعلوم وتقول العرب : خفيت الشيء أي أظهرته . وقال الشاعر : خفاهن من إيقانهن كأنما

خفاهن ودق من عشي مجلب

وقال آخر فإن تدفنوا الداء لا نخفه

وإن توقدوا الحرب لا نقعد

ولام { لِتُجْزَى } على هذه القراءة متعلقة بأخفيها أي أظهرها { لِتُجْزَى } كل نفس .

وقرأ الجمهور { أُخْفِيهَا } بضم الهمزة وهو مضارع أخفي بمعنى ستر ، والهمزة هنا للإزالة أي أزلت الخفاء وهو الظهور ، وإذا أزلت الظهور صار للستر كقولك : أعجمت الكتاب أزلت عنه العجمة . وقال أبو علي : هذا من باب السلب ومعناه ، أزيل عنها خفاءها وهو سترها ، واللام على قراءة الجمهور . قال صاحب اللوامح متعلقة بآتية كأنه قال { إِنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ } لنجزي انتهى ، ولا يتم ذلك إلاّ إذا قدرنا { أَكَادُ أُخْفِيهَا } جملة اعتراضية ، فإن جعلتها في موضع الصفة لآتية فلا يجوز ذلك على رأي البصريين لأن أسم الفاعل لا يعمل إذا وصف قبل أخذ معموله .

وقيل :{ أُخْفِيهَا } بضم الهمزة بمعنى أظهرها فتتحد القراءتان ، وأخفى من الأضداد بمعنى الإظهار وبمعنى الستر . قال أبو عبيدة : خفيت وأخفيت بمعنى واحد وقد حكاه أبو الخطاب وهو رئيس من رؤساء اللغة لا شك في صدقه و { أَكَادُ } من أفعال المقاربة لكنها مجاز هنا ، ولما كانت الآية عبارة عن شدة إخفاء أمر القيامة ووقتها وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس بالغ في إبهام وقتها فقال { أَكَادُ أُخْفِيهَا } حتى لا تظهر ألبتة ، ولكن لا بد من ظهورها . وقالت فرقة { أَكَادُ } بمعنى أريد ، فالمعنى أريد إخفاءها وقاله الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم . قال أبو مسلم : ومن أمثالهم لا أفعل ذلك : ولا أكاد أي لا أريد أن أفعله . وقالت فرقة : خبر كاد محذوف تقديره { أَكَادُ } أتى بها لقربها وصحة وقوعها كما حذف في قول صابيء البرجمي : هممت ولم أفعل وكذت وليتني

تركت على عثمان تبكي حلائله

أي وكدت أفعل . وتم الكلام ثم استأنف الإخبار بأنه يخفيها واختاره النحاس . وقالت فرقة : معناه { أَكَادُ أُخْفِيهَا } من نفسي إشارة إلى شدة غموضها عن المخلوقين وهو مروي عن ابن عباس .

ولما رأى بعضهم قلق هذا القول قال معنى من نفسي : من تلقائي ومن عندي . وقالت فرقة { أَكَادُ } زائدة لا دخول لها في المعنى بل الإخبار أن الساعة آتية

وأن اللّه يخفي وقت إتيانها ، وروي هذا المعنى عن ابن جبير ، واستدلوا على زيادة كاد بقوله تعالى { لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } وبقول الشاعر وهو زيد الخيل : سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه

فما إن يكاد قرنه يتنفس

وبقول الآخر وأن لا ألوم النفس مما أصابني

وأن لا أكاد بالذي نلت أنجح ولا حجة في شيء من هذا .

وقال الزمخشري :{ أَكَادُ أُخْفِيهَا } فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها ، ولو لا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به .

وقيل : معناه { أَكَادُ أُخْفِيهَا } من نفسي ولا دليل في الكلام على هذا المحذوف ، ومحذوف لا دليل عليه مطرح . والذي غزهم منه أن في مصحف أبي { أَكَادُ أُخْفِيهَا } من نفسي وفي بعض المصاحف { أَكَادُ أُخْفِيهَا } من نفسي فكيف أظهركم عليها انتهى . ورويت هذه الزيادة أى ضاً عن أُبَيّ ذكر ذلك ابن خالويه . وفي مصحف عبد اللّه { أَكَادُ أُخْفِيهَا } من نفسي فكيف يعلمها مخلوق . وفي بعض القراءات وكيف أظهرها لكم وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من أن أحدهم إذا بالغ في كتمان الشيء قال : كذت أخفيه من نفسي ، واللّه تعالى لا يخفى عليه شيء قال معناه قطرب وغيره . وقال الشاعر :

أيام تصحبني هند وأخبرهاما كدت أكتمه عني من الخبر وكيف يكتم من نفسه ومن نحو هذا من المبالغة ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، والضمير في { أُخْفِيهَا } عائد على { السَّاعَةَ } و { السَّاعَةَ } يوم القيامة بلا خلاف ، والسعي هنا العمل .

﴿ ١٥