٣الزاني لا ينكح . . . . . {الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } الظاهر أنه خبر قصد به تشنيع الزنا وأمره ، ومعنى { لاَ يَنكِحُ } لا يطأ وزاد { المشركة } في التقسيم ، فالمعنى أن الزاني في وقت زناه لا يجامع إلاّ زانية من المسلمين أو أخس منها وهي المشركة ، والنكاح بمعنى الجماع مروي عن ابن عباس هنا . وقال الزمخشري : وقيل المراد بالنكاح الوطء وليس بقول لأمرين . أحدهما : أن هذه الكلمة أينما وردت في القرآن لم يرد بها إلاّ معنى العقد . والثاني : فساد المعنى وأداؤه إلى قولك الزاني لا يزني إلاّ بزانية ، والزانية لا تزني إلا بزان انتهى . وما ذكره من الأمر الأول أخذه من الزجاج قال : لا يعرف النكاح في كتاب اللّه إلا بمعنى التزويج وليس كما قال ، وفي القرآن حتى تنكح زوجاً غيره ، وبيِّن الرسول صلى اللّه عليه وسلم أنه بمعنى الوطء . وأما الأمر الثاني فالمقصود به تشنيع الزنا وتشنيع أمره وأنه محرم على المؤمنين . وقال الزمخشري : وأخذه من الضحاك وحسنه الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا ، والخبث لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء اللاتي على خلاف صفته ، وإنما يرغب في فاسقه خبيثة من شكله ، أو في مشركة . والفاسقة الخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها ، وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة والمشركين ، ونكاح المؤمن الممدوح عند اللّه الزانية ورغبته فيها وانخراطه بذلك في سلك الفسقة المتسمين بالزنا محرم محظور لما فيه من التشبه بالفساق ، وحضور . موقع التهمة والتسبب لسوء القالة فيه والغيبة وأنواع المفاسد ومجالسة الخطائين ، كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب وإقدامه على ذلك انتهى . وعن ابن عمر وابن عباس وأصحابه أنها في قوم مخصوصين كانوا يزنون في جاهليتهم ببغايا مشهورات ، فلما جاء الإسلام وأسلموا لم يمكنهم الزنا فأرادوا لفقرهم زواج أولئك النسوة إذ كن من عادتهن الإنفاق على من ارتسم بزواجهن ، فنزلت الآية بسببهن والإشارة بالزاني إلى أحد أولئك أطلق عليه اسم الزنا الذي كان في الجاهلية وقوله { الزَّانِى لاَ يَنكِحُ } أي لا يتزوج ، وعلى هذين التأويلين فيه معنى التفجع عليهم وفيه توبيخ كأنه يقول : الزاني لا يريد أن يتزوج إلا زانية أو مشركة ، أي تنزع نفوسهم إلى هذه الخسائس لقلة انضباطهم ، ويرد على هذين التأويلين الإجماع على أن الزانية لا يجوز أن يتزوجها مشرك في قومه { وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أي نكاح أولئك البغايا ، فيزعم أهل هذين التأويلين أن نكاحهن حرمه اللّه على أمّة محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقال الحسن : المراد الزاني المحدود ، والزانية المحدودة قال : وهذا حكم من اللّه فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلاّ زانية . وقد روي أن محدوداً تزوج غير محدودة فردّ عليّ بن أبي طالب نكاحها .{ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } يريد الزنا . وروى الزهراني في هذا حديثاً من طريق أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : { لا ينكح الزاني المحدود إلاّ مثله} . قال ابن عطية : وهذا حديث لا يصح ، وقول فيه نظر ، وإدخال المشرك في الآية يرده وألفاظ الآية تأباه وإن قدرت المشركة بمعنى الكتابية فلا حيلة في لفظ المشرك انتهى . وقال ابن المسيب : هذا حكم كان في الزناة عام أن لا يتزوج زان إلاّ زانية ، ثم جاءت الرخصة ونسخ ذلك بقوله { وَأَنْكِحُواْ طَائِفَةٌ مّنكُمْ } وقوله { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء } وروي ترتيب هذا النسخ عن مجاهد إلاّ أنه قال : حرم نكاح أولئك البغايا النفر . قال ابن عطية : وذكر الإشراك في الآية يضعف هذه المناحي انتهى . وعن الجبائي إنها منسوخة بالإجماع ، وضعف بأنه ثبت في أصول الفقه أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به ، وتلخص من هذه الأقوال أن النكاح إن أريد به الوطء فالآية وردت مبالغة في تشنيع الزنا ، وإن أريد به التزويج فإما أن يراد به عموم في الزناة ثم نسخ ، أو عموم في الفساق الخبيثين لا يرغبون إلاّ فيمن هو شكل لهم ، والفواسق الخبائث لا يرغبن إلاّ فيمن هو شكل لهن ، ولا يجوز التزويج على ما قرره الزمخشري ، أو يراد به خصوص في قوم كانوا في الجاهلية زناة ببغايا فأرادوا تزويجهن لفقرهم وإيسارهن مع بقائهن على البغاء فلا يتزوج عفيفة ، ولو زنا رجل بامرأة ثم أراد تزويجها فأجاز ذلك أبو بكر الصديق وابن عمر وابن عباس وجابر وطاوس وابن المسيب وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة ومالك والثوري والشافعي ، ومنعه ابن مسعود والبراء ابن عازب وعائشة وقالا : لا يزالان زانيين ما اجتمعا ، ومن غريب النقل أنه لو تزوج معروف بالزنا أو بغيره من الفسوق ثبت الخيار في البقاء معه أو فراقه وهو عيب من العيوب التي يترتب الخيار عليها ، وذهب قوم إلى أن الآية محكمة ، وعندهم أن من زنى من الزوجين فسد النكاح بينهما وقال قوم منهم لا ينفسخ ويؤمر بطلاقها إذا زنت فإن امسكها أثم قالوا لا تجوز التزويج بالزانية ولا من الزاني فإن ظهرت التوبة جاز . وقال الزمخشري : فإن قلت : أي فرق بين معنى الجملة الأولى ومعنى الثانية ؟ قلت : معنى الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر ، ومعنى الثانية صفتها بكونها غير مرغوب فيها للأعّفاء ولكن للزناة ، وهما معنيان مختلفان . وعن عمرو بن عبيد { لاَ يَنكِحُ } بالجزم على النهي والمرفوع فيه معنى النهي ولكن هو أبلغ وآكد كما أن رحمك اللّه ويرحمك اللّه أبلغ من ليرحمك ، ويجوز أن يكون خبراً محضاً على معنى إن عادتهم جارية على ذلك ، وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها انتهى . وقرأ أبو البرهثيم { وَحَرَّمَ } مبنياً للفاعل أي اللّه ، وزيد بن عليّ{ وَحَرَّمَ } بضم الراء وفتح الحاء والجمهور { وَحَرَّمَ } مشدداً مبنياً للمفعول . والقذف الرمي بالزنا وغيره ، والمراد به هنا الزنا لاعتقابه إياه ولاشتراط أربعة شهداء وهو مما يخص القذف بالزنا إذ في غيره يكفي شاهدان . قال ابن جبير : ونزلت بسبب قصة الإفك . وقيل : بسبب القذفة عاماً ، واستعير الرمي للشتم لأنه إذاية بالقول . كما قال : وجرح اللسان كجرح اليد وقال : رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطويّ رماني |
﴿ ٣ ﴾