٧

والذين يرمون أزواجهم . . . . .

ولما ذكر تعالى قذف المحصنات وكان الظاهر أنه يتناول الأزواج وغيرهن ولذلك قال سعد بن عبادة : يا رسول اللّه إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتي آتي بأربعة شهداء واللّه لأضربنه بالسيف غير مصفح ، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عزم على حد هلال بن أمية حين رمى زوجته بشريك بن سحماء فنزلت { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ } واتضح أن المراد بقوله { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } غير الزوجات ، والمشهور أن نازلة هلال قبل نازلة عويمر .

وقيل : نازلة عويمر قبل ، والمعنى بالزنا ولم يكن لهم شهداء ولم يقيد بعدد اكتفاء بالتقييد في قذف غير الزوجات ، والمعنى { شُهَدَاء } على صدق قولهم . وقرىء ولم تكن بالتاء .

وقرأ الجمهور بالياء وهو الفصيح لأنه إذا كان العامل مفرغاً لما بعد إلاّ وهو مؤنث فالفصيح أن يقول ما قام إلاّ هند ، وأماما قامت إلاّ هند فأكثر أصحابنا يخصه بالضرورة ، وبعض النحويين يجيزه في الكلام على قلة .

و { أَزْواجِهِمْ } يعم سائر الأزواج من المؤمنات والكافرات والإماء ، فكلهن يلاعن الزوج للانتفاء من العمل . وقال أبو حنيفة وأصحابه : بأحد معنيين

أحدهما : أن تكون الزوجة ممن لا يجب على قاذفها الحد وإن كان أجنبياً ، نحو أن تكون الزوجة مملوكة أو ذمية وقد وطئت وطأ حر إما في غير ملك .

والثاني : أن يكون أحدهما ليس من أهل الشهادة بأن يكون محدوداً في قذف أو كافراً أو عبداً ، فأمّا إذا كان أعمى أو فاسقاً فله أن يلاعن . وقال الثوري والحسن بن صالح : لا لعان إذا كان أحد الزوجين مملوكاً أو كافراً ، ويلاعن المحدود في القذف . وقال الأوزاعي : لالعان بين أهل الكتاب ولا بين المحدود في القذف وامرأته . وقال الليث : يلاعن العبد امرأته الحرة والمحدود في القذف . وعن مالك : الأمة المسلمة والحرة الكتابية يلاعن الحر المسلم والعبد يلاعن زوجته الكتابية ، وعنه : ليس بين المسلم والكافرة لعان إلاّ لمن يقول رأيتها تزني فيلاعن ظهر الحمل أو لم يظهر ، ولا يلاعن المسلم الكافرة ولا زوجته الأمة إلاّ في نفي الحمل ويتلاعن عن المملوكان المسلمان لا الكافران . وقال الشافعي كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض يلاعن ، والظاهر العموم في الرامين وزوجاتهم المرميات بالزنا ، والظاهر إطلاق الرمي بالزنا سواء قال : عاينتها تزني أم قال زنيت وهو قول أبي حنيفة

وأصحابه ، وكان مالك لا يلاعن عن إلاّ أن يقول : رأيتك تزنين أو ينفي حملاً بها أو ولد منها والأعمى يلاعن . وقال الليث : لا يلاعن إلاّ أن يقول : رأيت عليها رجلاً أو يكون استبرأها ، فيقول : ليس هذا الحمل مني ولم تتعرض الآية في اللعان إلاّ لكيفيته من الزوجين . وقد أطال المفسرون الزمخشري وابن عطية وغيرهما في ذكر كثير من أحكام اللعان مما لم تتعرض له الآية وينظر ذلك في كتب الفقه .

وقرأ الجمهور { أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ } بالنصب على المصدر . وارتفع { فَشَهَادَةُ } خبراً على إضمار مبتدأ ، أي فالحكم أو الواجب أو مبتدأ على إضمار الخبر متقدماً أي فعليه أن يشهد أو مؤخراً أي كافيه أو واجبه . و { بِاللّه } من صلة { شَهَادَاتٍ } ويجوز أن يكون من صلة { فَشَهَادَةُ } قاله ابن عطية ، وفرغ الحوفي ذلك على الأعمال ، فعلى رأي البصريين واختيارهم يتعلق بشهادات ، وعلى اختيار الكوفيين يتعلق بقوله { فَشَهَادَةُ}

وقرأ الأخوان وحفص والحسن وقتادة والزعفراني وابن مقسم وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو بحرية وأبان وابن سعدان { أَرْبَعُ } بالرفع خبر للمبتدإ ، وهو { فَشَهَادَةُ } و { بِاللّه } من صلة { شَهَادَاتٍ } على هذه القراءة ، ولا يجوز أن يتعلق بفشهادة للفصل بين المصدر ومعموله بالجر ولا يجوز ذلك .

وقرأ الجمهور { وَالْخَامِسَةَ } بالرفع فيهما .

وقرأ طلحة والسلمي والحسن والأعمش وخالد بن أياس ويقال ابن إلياس بالنصب فيهما .

وقرأ حفص والزعفراني بنصب الثانية دون الأولى ، فالرفع على الابتداء وما بعده الخبر ، ومن نصب الأولى فعطف على { أَرْبَعُ } في قراءة من نصب { أَرْبَعُ } ، وعلى إضمار فعل يدل عليه المعنى في قراءة من رفع { أَرْبَعُ } أي وتشهد { الخامسة } ومن نصب الثانية فعطف على { أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ } وعلى قراءة النصب في { الخامسة } يكون { حَمِيمٍ ءانٍ } بعده على إسقاط حرف الجر ، أي بأن ، وجوّز أن يكون { ءانٍ } وما بعده بدلاً من { الخامسة}

وقرأ نافع { بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ } بتخفيف { ءانٍ } ورفع { لَّعْنَةُ } و { أَنَّ غَضَبَ } بتخفيف { ءانٍ } و { غَضَبَ } فعل ماض والجلالة بعد مرفوعة ، وهي ان المخففة من الثقيلة لما خففت حذف اسمها وهو ضمير الشأن .

وقرأ أبو رجاء وقتادة وعيسى وسلام وعمرو بن ميمون والأعرج ويعقوب بخلاف عنهما ، والحسن { أَن لَّعْنَةُ } كقراءة نافع ، و { أَنَّ غَضَبَ } بتخفيف { ءانٍ } و { غَضَبَ } مصدر مرفوع وخبر ما وبعده وهي أن المخففة من الثقيلة .

وقرأ باقي السبعة { أَن لَّعْنَةُ اللّه } و { أَنَّ غَضَبَ اللّه } بتشديد { ءانٍ } ونصب ما بعدهما اسماً لها وخبر ما بعد .

قال ابن عطية : و { ءانٍ } الخفيفة على قراءة نافع في قوله { أَنَّ غَضَبَ } قد وليها الفعل .

قال أبو علي : وأهل العربية يستقبحون أن يليها الفعل إلاّ أن يفصل بينها وبينه بشيء نحو قوله { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ } وقوله { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا لاَ يَرْجِعُونَ }

وأماقوله تعالى { وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى } فذلك لعلة تمكن ليس في الأفعال .

وأما قوله { أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ } فبورك على معنى الدعاء فلم يجر دخول الفواصل لئلا يفسد المعنى انتهى . ولا فرق بين { أَنَّ غَضَبَ اللّه } و { أَن بُورِكَ } في كون الفعل بعد أن دعاء ، ولم يبين ذلك ابن عطية ولا الفارسي ، ويكون غضب دعاء مثل النحاة أنه إذا كان الفعل دعاء لا يفصل بينه وبين أن بشيء ، وأورد ابن عطية { أَنَّ غَضَبَ } في قراءة نافع مورد المستغرب .

﴿ ٧