٤٢

إن كاد ليضلنا . . . . .

وقولهم { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } دليل على فرط مجاهدة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في دعوتهم ، وبذله قصارى الوسع والطاقة في استعطافهم مع عرض الآيات والمعجزات حتى شارفوا بزعمهم أن يتركوا دينهم إلى دين الإسلام لولا فرط لاجهم واستمساكهم بعبادة آلهتهم . و { لَوْلاَ } في مثل هذا الكلام جار من حيث المعنى لا من حيث اللفظ مجرى التقييد للحكم المطلق قاله الزمخشري . وقال أبو عبد اللّه الرازي : الاستهزاء إما بالصورة فكان أحسن منهم خلقة أو بالصفة فلا يمكن لأن الصفة التي تميز بها عنهم ظهور المعجز عليه دونهم ، وما قدروا على القدح في حجته ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم ثم لوقاحتهم قلبوا القصة والستهزؤوا بالرسول عليه الصلاة والسلام انتهى . قيل : وتدل الآية على أنهم صاروا في ظهور حجته عليه الصلاة والسلام عليهم كالمجانين استهزؤوا به أولاً ثم إنهم وصفوه بأنه { كَادَ لَيُضِلُّنَا } عن مذهبنا { لَوْلاَ } أنا قابلناه بالجمود والإصرار فهذا يدل على أنهم سلموا له قوة الحجة وكمال العقل ، فكونهم جمعوا بين الاستهزاء وبين هذه الكيدودة دل على أنهم كانوا كالمتحيرين في أمره تارة يستهزئون منه وتارة يصفونه بما لا يليق إلاّ بالعالم الكامل .

{وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وإن طالت مدة الإمهال فلا بد للوعيد أن يلحقهم فلا يغرنهم التأخير ، ولما قالوا { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } جاء قوله { مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } أي سيظهر لهم من المضل ومن الضال بمشاهدة العذاب الذي لا مخلص لهم منه . والظاهر أن من استفهامية وأضل خبره والجملة في موضع مفعول { يَعْلَمُونَ } إن كانت متعدية إلى واحد أو في موضع مفعولين إن كانت تعدت إلى اثنين ، ويجوز أن تكون { مِنْ } موصولة مفعولة بيعلمون و { أَضَلَّ } خبر مبتدأ محذوف أي هو أضل ، وصار حذف هذا المضمر للاستطالة التي حصلت في قول العرب ما أنا بالذي قائل لك سواء .

﴿ ٤٢