١٠

{وَأَصْبَحَ } : أي صار فارغاً من العقل ، وذلك حين بلغها أنه وقع في يد فرعون ، فدهمها أمر مثله لا يثبت معه العقل ، لا

سيما عقل امرأة خافت على ولدها حتى طرحته في اليم ، رجاء نجاته من الذبح ؛ هذا مع الوحي إليها أن اللّه يرده إليها ويجعله رسولاً ، ومع ذلك فطاش لبها وغلب عليها ما يغلب على البشر عند مفاجأة الخطب العظيم ، ثم استكانت بعد ذلك لموعود اللّه .

وقرأ أحمد بن موسى ، عن أبي عمر وفؤاد : بالواو .

وقال ابن عباس : فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى . وقال مالك : هو ذهاب العقل . وقالت فرقة : فارغاً من الصبر . وقال ابن زيد : فارغاً من وعد اللّه ووحيه إليها ، تناسته من الهم . وقال أبو عبيدة : فارغاً من الحزن ، إذ لم يغرق ، وهذا فيه بعد ، وتبعده القراآت الشواذ التي في اللفظة .

وقرأ فضالة بن عبيد ، والحسن ، ويزيد بن قطيب ، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير : فزعاً ، بالزاي والعين المهملة ، من الفزع ، وهو الخوف والقلق ؛ وابن عباس : قرعاً ، بالقاف وكسر الراء وإسكانها ، من قرع رأسه ، إذا انحسر شعره ، كأنه خلا من كل شيء إلا من ذكر موسى .

وقيل : قرعاً ، بالسكون ، مصدر ، أي يقرع قرعاً من القارعة ، وهي الهم العظيم .

وقرأ بعض الصحابة : فزغاً ، بالفاء مكسورة وسكون الزاي والغين المنقوطة ، ومعناه : ذاهباً هدراً تالفاً من الهم والحزن . ومنه قول طليحة الأسدي في أخيه حبال : فإن يك قتلي قد أصيْبت نفوسهم

فلن تذهبوا فزغاً بقتل حبال

أي : بقتل حبال فزغاً ، أي هدراً لا يطلب له بثأر ولا يؤخذ .

وقرأ الخليل بن أحمد : فرغاً ، بضم الفاء والراء . { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ } : هي إن المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة .

وقيل : إن نافية ، واللام بمعنى إلاّ ، وهذا قول كوفي ، والإبداء : إظهار الشيء . والظاهر أن الضمير في به عائد على موسى عليه السلام ، فقيل : الباء زائدة ، أي : لتظهره .

وقيل : مفعول تبدي محذوف ، أي لتبدي القول به ، أي بسببه وأنه ولدها .

وقيل : الضمير في به للوحي ، أي لتبدي بالوحي .

وقال ابن عباس : كادت تصيح عند إلقائه في البحر وا ابناه .

وقيل : عند رؤيتها تلاطم الأمواج به { لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} قال قتادة : بالإيمان . وقال السدي : بالعصمة . وقال الصادق : باليقين . وقال ابن عطاء : بالوحي ، و { لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فعلنا ذلك ، أي المصدقين بوعد اللّه ، وأنه كائن لا محالة . والربط على القلب كناية عن قراره وإطمئنانه ، شبه بما يربط مخافة الانقلاب .

وقال الزمخشري : ويجوز : وأصبح فؤادها فارغاً من الهم حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه .{ إِن كَادَتْ لَتُبْدِى } بأنه ولدها ، لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت ، لولا أنا طمأنا قلبها وسكّنّا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج .{ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } الواثقين بوعد اللّه ، لا بتبني فرعون وتعطفه . انتهى . وما ذهب إليه الزمخشري من تجويز كونه فارغاً من الهم إلى آخره ، خلاف ما فهمه المفسرون من الآية ، وجواب لولا محذوف تقديره : لكادت تبدي به ، ودل عليه قوله :{ إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ } ، وهذا تشبيه بقوله :{ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ}

﴿ ١٠