١٤{وَقَالَتْ لاخْتِهِ } ، طمعاً منها في التعرف بحاله .{ قُصّيهِ } : أي اتبعي أثره وتتبعي خبره . فروي أنها خرجت في سكك المدينة مختفية ، فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يتطلبون له امرأة ترضعه ، حين لم يقبل المراضع ، واسم أخته مريم ، وقيل : كلثمة ، وقيل : كلثوم ، وفي الكلام حذف ، أي فقصت أثره .{ فَبَصُرَتْ بِهِ } : أي أبصرته ؛{ عَن جُنُبٍ } ،أي عن بعد ؛{ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بتطلبها له ولا بإبصارها . وقيل : معنى { عَن جُنُبٍ } : عن شوق إليه ، حكاه أبو عمرو بن العلاء وقال : هي لغة جذام ، يقولون : جنبت إليك : اشتقت . وقال الكرماني : جنب صفة لموصوف محذوف ، أي عن مكان جنب ، يريد بعيد . وقيل : عن جانب ، لأنها كانت تمشي على الشط ، وهم لا يشعرون أنها تقص . وقيل : لا يشعرون أنها أخته . وقيل : لا يشعرون أنه عدو لهم ، قاله مجاهد . وقرأ الجمهور : عن جنب ، بضمتين . وقرأ قتادة : فبصرت ، بفتح الصاد ؛ وعيسى : بكسرها . وقرأ قتادة ، والحسن ، والأعرج ، وزيد بن علي : جنب ، بفتح الجيم وسكون النون . وعن قتادة : بفتحهما أيضاً . وعن الحسن : بضم الجيم وإسكان النون . وقرأ النعمان بن سالم : عن جانب ، والجنب والجانب والجنابة والجناب بمعنى واحد . وقال قتادة : معنى عن جنب : أنها تنظر إليه كأنها لا تريده . والتحريم هنا بمعنى المنع ، أي منعناه أن يرضع ثدي امرأة ؛ والمراضع جمع مرضع ، وهي المرأة التي ترضع ؛ أو جمع مرضع ، وهو موضع الرضاع ، وهو الثدي ، أو الإرضاع . { مِن قَبْلُ } : أي من أول أمره . وقيل : من قبل قصها أثره وإتيانه على من هو عنده . {فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ } : أي أرشدكم إلى { أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } ، لكونهم فيهم شفقة ورحمة لمن يكفلونه وحسن تربية . ودل قوله :{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ } ، أنه عرض عليه جملة من المرضعات ، والظاهر أن الضمير في له عائد على موسى . قيل : ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمْره من جملته . وقال ابن جريج : تأول القوم أن الضمير للطفل فقالوا لها : إنك قد عرفتيه ، فأخبرينا من هو ؟ فقالت : ما أردت ، إلا أنهم ناصحون للملك ، فتخلصت منهم بهذا التأويل . وفي الكلام حذف تقديره : فمرت بهم إلى أمه ، فكلموها في إضاعه ؛ أو فجاءت بأمه إليهم ، فكلموها في شأنه ، فأرضعته ، فالتقم ثديها . ويروى أن فرعون قال لها : ما سبب قبول هذا الطفل ثديك ، وقد أبى كل ثدي ؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح ، طيبة اللبن ، لا أوتي بصبي إلا قبلني ، فدفعه إليها ، وذهبت به إلى بيتها ، وأجرى لها كل يوم ديناراً . وجاز لها أخذه لأنه مال حربي ، فهو مباح ، وليس ذلك أجرة رضاع .{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمّهِ } ، كما قال تعالى :{ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } ، ودمع الفرح بارد ، وعين المهموم حرى سخنة ، وقال أبو تمام : فأما عيون العاشقين فأسخنت وأما عيون الشامتين فقرت لما أنجز تعالى وعده في الردّ ، ثبت عندها أنه سيكون نبياً رسولاً .{ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ } ، فعلنا ذلك . ولا يعلمون ، أي أن وعد اللّه حق ، فهم مرتابون فيه ؛ أو لا يعلمون أن الرد إنما كان لعلمها بصدق وعد اللّه . ولكن أكثر الناس لا يعلمون بأن الرد كان لذلك ، وفي قوله :{ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ } دلالة على ضعف من ذهب إلى أن الإيحاء إليها كان إلهاماً أو مناماً ، لأن ذلك يبعد أن يقال فيه وعد . وقوله : ولتعلم وقوع ذلك فهو علم مشاهدة ، إذ كانت عالمة أن ذلك سيكون ، وأكثرهم هم القبط ، ولا يعلمون سرّ القضاء . وقال الضحاك : لا يعلمون مصالحهم وصلاح عواقبهم . وقال الضحاك أيضاً ، ومقاتل : لا يعلمون أن اللّه وعدها رده إليها ، وتقدم تفسير { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } إلى { الْمُحْسِنِينَ } في سورة يوسف عليه السلام . |
﴿ ١٤ ﴾