٣٥

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } : أي في حياته قال مجاهد : نجاته من النار ، ومن الملك الجبار ، والعمل الصالح : والثناء الحسن ، بحيث يتولاه كل أمة وقال ابن جريج : والولد الذي قرت به عينه ، قاله الحسن . وقال السدي : إنه رأى مكانه من الجنة . وقال ابن أبي بردة : ما وفق له من عمل الآخرة . وقال الماوردي : بقاء ضيافته عند قبره ، وليس ذلك لنبي غيره .

وقيل : النبوة والحكمة .

وقيل : الصلاة عليه إلى آخر الدهر . وانتصب لوطاً بإضمار اذكر ، أو بالعطف على إبراهيم ، أو بالعطف على ما عطف عليه إبراهيم . والجمهور : على الاستفهام في أئنكم معاً . وقرىء : أنكم على الخبر ، والثاني على الاستفهام . وقال أبو عبيد : وجدته في الإمام بحرف واحد بغير ياء ، ورأيت الثاني بحرفين ، الياء والنون . ولم يأت في قصة لوط أنه دعا قومه إلى عبادة اللّه ، كما جاء في قصة إبراهيم وقصة شعيب ، لأن لوطاً كان من قوم إبراهيم وفي زمانه ، وسبقه إبراهيم إلى الدعاء لعبادة اللّه وتوحيده ، واشتهر أمره بذلك عند الخلق ، فذكر لوط ما اختص به من المنع من الفحشاء وغيرها .

وأما إبراهيم وشعيب فجاآ بعد انقراض من كان يعبد اللّه ، فلذلك دعوا إلى عبادة اللّه .

قال الزمخشري :{ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا } جملة مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة ، كأن قائلاً قال : لم كانت فاحشة ؟ فقيل : لأن أحداً قبلهم لم يقدم عليها اشمئزازاً منها في طباعهم لإفراط قبحها ، حتى قدم عليها قوم لوط لخبث طينتهم ، قالوا : لم ينز ذكر على ذكر قبل قوم لوط . انتهى . ويظهر أن { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا } جملة حالية ، كأنه قال : أتأتون الفاحشة مبتدعين لها غير مسبوقين بها ؟ واستفهم أولاً وثانياً استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع ، وبين ما تلك الفاحشة المبهمة في قوله :{ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ } ، وإن كانت معينة أنها إتيان الذكور في الأدبار بقوله :{ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا } ، فقال :{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ } : يعني في الأدبار ، { وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ } : الولد ، بتعطيل الفرج ووطء أدبار الرجال ، أو بإمساك الغرباء لذلك الفعل حتى انقطعت الطرق ، أو بالقتل وأخذ المال ، أو بقبح الأحدوثة حتى تنقطع سبل الناس في التجارات .{ وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ } : أي في مجلسكم الذي تجتمعون فيه ، وهو اسم جنس ، إذ أنديتهم في مدائنهم كثيرة ، ولا يسمى نادياً إلاّ ما دام فيه أهله ، فإذا قاموا عنه ، لم يطلق عليه ناد إلاّ مجازاً .

و { الْمُنْكَرَ } : ما تنكره العقول والشرائع والمروآت ، حذف الناس بالحصباء ، والاستخفاف بالغريب الخاطر ، وروت أم هانىء ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم.أو إتيان الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضاً ، قاله منصور ومجاهد والقاسم بن محمد وقتادة بن زيد ؛ أو تضارطهم ؛ أو تصافعهم فيها ، قاله ابن عباس ؛ أو لعب الحمام ؛ أو تطريف الأصابع بالحناء ، والصفير ، والحذف ، ونبذ الحياء في جميع أمورهم ، قاله مجاهد أيضاً ، أو الحذف بالحصى ، والرمي بالبنادق ، والفرقعة ، ومضغ العلك ، والسواك بين الناس ، وحل الأزرار ، والسباب ، والفحش في المزاح ، قاله ابن عباس أيضاً مع شركهم باللّه . كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة ، تظالم فيما بينهم ، وبشاعة ، ومضاريط في مجالسهم ، وحذف ، ولعب بالنرد والشطرنج ، ولبس المصبغات ، ولباس النساء للرجال ، والمكوس على كل عابر ؛ وهم أول من لاط ومن ساحق .

ولما وقفهم لوط عليه السلام على هذه القبائح ، أصروا على اللجاج في التكذيب ، فكان جوابهم له :{ أَن قَالُواْ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللّه إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } ، فيما تعدنا به من نزول العذاب ، قالوا ذلك وهم مصممون على اعتقاد كذبه فيما وعدهم به . وفي آية أخرى :{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن } ، الجمع بينهما أنهم أولاً قالواغ :{ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللّه } ، ثم أنه كثر منه الإنكار ، وتكرر ذلك منه نهياً ووعظاً ووعيداً ، { قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ} ولما كان إنما يأمرهم بترك الفواحش وما كانوا يصنعونه من قبيح المعاصي ، ويعد على ذلك بالعذاب ، وكانوا يقولون إن اللّه لم يحرم هذا ولا يعذب عليه وهو يقول إن اللّه حرمه ويعذب عليه ، { قَالُواْ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللّه } ، فكانوا ألطف في الجواب من قوم إبراهيم بقولهم :{ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرّقُوهُ } ، لأنه كان لا يذم آلهتهم ، وعهد إلى أصنامهم فكسرها ، فكان فعله هذا معهم أعظم من قول لوط لقومه ، فكان جوابهم له :{ أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرّقُوهُ}

ثم استنصر لوط عليه السلام ، فبعث ملائكة لعذابهم ، ورجمهم بالحاصب ، وإفسادهم بحمل الناس على ما كانوا عليه من المعاصي طوعاً وكرهاً ، وخصوصاً تلك المعصية المبتدعة .{ بِالْبُشْرَى } : هي بشارته بولده إسحاق ، وبنافلته يعقوب ، وبنصر لوط على قومه وإهلاكهم ، و { القَرْيَةِ } : سدوم ، وفيها قيل : أَجْوَر من قاضي سدوم .{ كَانُواْ ظَالِمِينَ } : أي قد سبق منهم الظلم . واستمر على الأيام السالفة وهم مصرون ، وظلمهم : كفرهم وأنواع معاصيهم . ولما ذكروا لإبراهيم :{ إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ } ، أشفق على لوط فقال :{ إِنَّ فِيهَا لُوطاً} ولما عللوا الإهلاك بالظلم ، قال لهم : فيها من هو بريء من الظلم ، { قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا } : أي منك ، وأخبر بحاله . ثم أخبروه بإنجائهم إياه { وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ}

وقرأ حمزة ، والكسائي :{ لنجينه } ، مضارع أنجى ؛ وباقي السبعة : مضارع نجى ؛ والجمهور : بشد النون ؛ وفرقة : بتخفيفها .

{الْغَابِرِينَ وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِىء بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } : تقدم الكلام على مثل هذه الجملة ، إلاّ أن هنا زيدت ، أن بعد لما ، وهو قياس مطرد .

وقال الزمخشري أن صلة أكدت وجود الفعلين مترتباً أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصل بينهما ، كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان ، كأنه قيل : لما أحس بمجيئهم ، فاجأت المساءة من غير وقت خيفة عليهم من قومه . انتهى . وهذا الذي ذكره في الترتيب هو مذهب سيبويه ، إذ مذهبه . أن لما : حرف لا ظرف ، خلافاً للفارسي ، وهذا مذكور في علم النحو .

وقرأ العربيان ، ونافع ، وحفص :{ مُنَجُّوكَ } ، مشدداً ؛ وباقي السبعة : مخففاً ، والكاف في مذهب سيبويه في موضع جر .{ وَأَهْلَكَ } : منصوب على إضمار فعل ، أي وننجي أهلك . ومن راعى هذا الموضع ، عطفه على موضع الكاف ، والكاف على مذهب الأخفش وهشام في موضع نصب ، وأهلك معطوف عليه ، لأن هذه النون كالتنوين ، وهما على مذهبهما يحذفان للطافة الضمير وشدة طلبه الاتصال بما قبله .

وقرأ الجمهور : سيء ، بكسر السين ؛ وضمها نافع وابن عامر والكسائي .

وقرأ عيسى ، وطلحة : سوء ، بضمهما ، وهي لغة بني هذيل . وبني وبير يقولون في قيل وبيع ونحوهما : قول وبوع . وقرىء : منزلون ، مخففاً ومشدداً ؛ وابن محيصن : رجزاً ، بضم الراء ؛ وأبو حيوة والأعمش : بكسر سين يفسقون . والظاهر أن الضمير في منها عائد على القرية ، فقال ابن عباس : منازلهم الخربة .

وحكى أبو سليمان الدمشقي أن الآية في قريتهم ، إلا أن أساسها أعلاها ، وسقوفها أسفلها إلى الآن . وقال الفراء : المعنى تركناها آية ، يقول : إن في السماء لآية ، يريد أنها آية . انتهى ، وهذا لا يتجه إلا على زيادة من في الواجب ، نحو قوله : أمهرت منها جبة وتيساً ، يريد : أمهرتها ؛ وكذلك : ولقد تركناها آية ،

وقيل : الهاء في منها عائدة على الفعلة التي فعلت بهم ، فقيل : الآية : الحجارة التي أدركتها أوائل هذه

الأمة ، قاله قتادة ؛

وقيل : الماء الاسود على وجه الأرض ، قاله مجاهد ؛

وقيل : أنجز ما صنع بهم . و { لِقَوْمٍ } : متعلق بتركنا ، أو بينة .

﴿ ٣٥