|
٦هذه السورة مكية ، قال ابن عباس : إلا ثلاث آيات ، أولهنّ :{ وَلَوْ أَنَّ مَّا فِى الاْرْضِ} وقال قتادة : إلا آيتين ، أوّلهما :{ وَلَوْ أَنَّ } إلى آخر الآيتين ، وسبب نزولها أن قريشاً سألت عن قصة لقمان مع ابنه ، وعن بر والديه ، فنزلت . وقيل : نزلت بالمدينة إلا الآيات الثلاث :{ وَلَوْ أَنَّ مَّا فِى الاْرْضِ } إلى آخرهنّ ، لما نزل { وَمَا أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} وقول اليهود : إن اللّه أنزل التوراة على موسى وخلفها فينا ومعنا ، فقال الرسول : { التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم اللّه } ، فنزل : { وَلَوْ أَنَّ مَّا فِى الاْرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} ومناسبتها لما قبلها أنه قال تعالى :{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَاذَا الْقُرْءانِ مِن كُلّ مَثَلٍ } ، فأشار إلى ذلك بقوله :{ الم تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } ؛ وكان في آخر تلك :{ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِئَايَةٍ } ، وهنا :{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءايَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً } ، وتلك إشارة إلى البعيد ، فاحتمل أن يكون ذلك لبعد غايته وعلو شأنه . و { الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } : القرآن واللوح المحفوط . ووصف الكتاب بالحكيم ، إما لتضمنه للحكمة ، قيل :أو فعيل بمعنى المحكم ، وهذا يقل أن يكون فعيل بمعنى مفعل ، ومنه عقدت العسل فهو عقيد ، أي معقد ، ويجوز أن يكون حكيم بمعنى حاكم . وقال الزمخشري : الحكيم : ذو الحكمة ؛ أو وصف لصفة اللّه عز وجل على الإسناد المجازي ، ويجوز أن يكون الأصل الحكيم قابله ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فبانقلابه مرفوعاً بعد الجر استكن في الصفة المشبهة . وقرأ الجمهور : { هُدًى وَرَحْمَةً } ، بالنصب على الحال من الآيات ، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ، قاله الزمخشري وغيره ، ويحتاج إلى نظر . وقرأ حمزة ، والأعمش ، والزعفراني ، وطلحة ، وقنبل ، من طريق أبي الفضل الواسطي : بالرف ، خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر بعد خبر ، على مذهب من يجيز ذلك .{ لّلْمُحْسِنِينَ } : يعملون الحسنات ، وهي التي ذكرها ، كإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإيقان بالآخرة ، ونظيره قول أوس : الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا حكي عن الأصمعي أنه سئل عن الألمعي فأنشده ولم يزد ، وخص المحسنون ، لأنهم هم الذين انتفعوا به ونظروه بعين الحقيقة . وقيل : الذين يعملون بالحسن من الأعمال ، وخص منهم القائمون بهذه الثلاث ، لفضل الاعتداد بها . ومن صفة الإحسان ما جاء في الحديث من أن الإحسان : { أن تعبد اللّه كأنك تراه} . وقيل : المحسنون : المؤمنون . وقال ابن سلام : هم السعداء . وقال ابن شجرة : هم المنجحون . وقيل : الناجون ، وكرر الإشارة إليهم تنبيهاً على عظم قدرهم . ولما ذكر من صفات القرآن الحكمه ، وأنه هدى ورحمة ، وأن متبعه فائز ، ذكر حال من يطلب من بدل الحكمة باللّهو ، وذكر مبالغته في ارتكابه حتى جعله مشترياً له وباذلاً فيه رأس عقله ، وذكر علته وأنها الإضلال عن طريق اللّه . ونزلت هذه الآية في النضر بن الحارث ، كان يتجر إلى فارس ، ويشتري كتب الأعاجم ، فيحدث قريشاً بحديث رستم واسفندار ويقول : أنا أحسن حديثاً . وقيل : في ابن خطل ، اشترى جارية تغني بالسب ، وبهذا فسر { لَهْوَ الْحَدِيثِ } : المعازف والغناء . وفي الحديث من رواية أبي أمامة ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : { شراء المغنيات وبيعهم حرام } ، وقرأ هذه الآية . وقال الضحاك : { لَهْوَ الْحَدِيثِ } : الشرك . وقال مجاهد ، وابن جريج : الطبل ، وهذا ضرب من آلة الغناء . وقال عطاء : الترهات . وقيل : السحر . وقيل : ما كان يشتغل به أهل الجاهلية من السباب . وقال أيضاً : ما شغلك عن عبادة اللّه ، وذكره منالسحر والأضاحيك والخرافات والغناء . وقال سهل : الجدال في الدين والخوض في الباطل ، والظاهر أن الشراء هنا مجاز عن اختيار الشيء ، وصرف عقله بكليته إليه . فإن أريد به ما يقع عليه الشراء ، كالجواري المغنيات عند من لا يرى ذلك ، وككتب الأعاجم التي اشتراها النضر ؛ فالشراء حقيقة ويكون على حذف ، أي من يشتري ذات لهو الحديث . وإضافة لهو إلى الحديث هي لمعنى من ، لأن اللّهو قد يكون من حديث ، فهو كباب ساج ، والمراد بالحديث : الحديث المنكر . وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، كأنه قال : ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللّهو منه . انتهى . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو :{ لِيُضِلَّ } بفتح الياء ، وباقي السبعة : بضمها . قال الزمخشري : فإن قلت : القراءة بالرفع بينة ، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللّهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه ، فما معنى القراءة بالفتح ؟ قلت : معنيان ، أحدهما : ليثبت على ضلاله الذي كان عليه ، ولا يصدق عنه ، ويزيد فيه ويمده بأن المخذول كان شديد الشكيمة قد عداوة الدين وصد الناس عنه . والثاني : أن يوضع ليضل موضع ليضل من قبل أن من أضل كان ضالاً لا محالة ، فدل بالرديف على المردوف . فإن قلت : قوله بغير علم ما معناه قلت : لما جعله مشترياً لهو الحديث بالقرآن قال : يشتري بغير علم بالتجارة وبغير بصيرة بها ، حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق ، ونحوه قوله تعالى : { فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } ،أي وما كانوا مهتدين للتجارة وبصراء بها . انتهى . و { سَبِيلِ اللّه } : الإسلام أو القرآن ، قولان . قال ابن عطية : والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو الحديث مضافاً إلى الكفر ، فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله :{ لِيُضِلَّ } إلى آخره . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص :{ وَيَتَّخِذَهَا } ، بالنصب عطفاً على { لِيُضِلَّ } ، تشريكاً في الصلة ؛ وباقي السبعة : بالرفع ، عطفاً على { يَشْتَرِى } ، تشريكاً في الصلة . والظاهر عود ضمير { وَيَتَّخِذَهَا } على السبيل ، كقوله :{ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} قيل : ويحتمل أن يعود على { الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} وقال تعالى :{ وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللّه هُزُوًا} قيل : ويحتمل أن يعود على الأحاديث ، لأن الحديث اسم جنس بمعنى الأحاديث . وقال صاحب التحرير : ويظهر لي أنه أراد بلهو الحديث : ما كانوا يظهرونه من الأحاديث في تقوية دينهم ، والأمر بالدوام عليه ، وتفسير صفة الرسول ، وأن التوراة تدل على أنه من ولد إسحاق ، يقصدون صد أتباعهم عن الإيمان ، وأطلق اسم الشراء لكونهم يأخذون على ذلك الرشا والجعائل من ملوكهم ، ويؤيده { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللّه } : أي دينه . انتهى ، وفيه بعض حذف وتلخيص . |
﴿ ٦ ﴾