١٧{وَإِنَّمَا يُؤْمِنُ بِئَايَاتِنَا } : أثنى تعالى على المؤمنين في وصفهم بالصفة الحسنى ، من سجودهم عند التذكير ، وتسبيحهم وعدم استكبارهم ؛ بخلاف ما يصنع الكفرة من الإعراض عن التذكير ، وقول الهجر ، وإظهار التكبر ؛ وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن . وقال ابن عباس : السجود هنا بمعنى الركوع . وروي عن ابن جريج : المسجد مكان الركوع ، يقصد من هذا ويلزم على هذا أن تكون الآية مدنية ومن مذهب ابن عباس أن القارىء للسجدة يركع ، واستدل بقوله :{ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ}{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ } : أي ترتفع وتتنحى ، يقال : جفا الرجل الموضع : تركه . قال عبد اللّه بن رواحة : نبي تجافى جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع وقال الزجاج والرماني : التجافي : التنحي إلى جهة فوق . والمضاجع : أماكن الاتكاء للنوم ، الواحد مضجع ، أي هم منتبهون لا يعرفون نوماً . وقال الجمهور : المراد بهذا التجافي صلاة النوافل بالليل ، وهو قول الأوزاعي ومالك والحسن البصري وأبي العالية وغيرهم . وفي الحديث ، ذكر قيام الليل ، ثم استشهد بالآية ، يعني الرسول . وقال أبو الدرداء ، وقتادة ، والضحاك : تجافي الجنب : هو أن يصلي العشاء والصبح في جماعة . وقال الحسن : هو التهجد ؛ وقال أيضاً : هو وعطاء : هو العتمة . وفي الترمذي ، عن أنس : نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة . وقال قتادة ، وعكرمة : التنفل ما بين المغرب والشعاء ، { يَدَّعُونَ } : حال ، أو مستأنف خوفاً وطمعاً ، مفعول من أجله ، أو مصدران في موضع الحال . والظاهر أن الدعاء هو : الابتهال إلى اللّه ، وقيل : الصلاة . وقرأ الجمهور :{ مَّا أُخْفِىَ لَهُم } ، فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول ؛ وحمزة ، والأعمش ، ويعقوب : بسكون الياء ، فعلاً مضارعاً للمتكلم ؛ وابن مسعود : وما نخفي ، بنون العظمة ؛ والأعمش أيضاً : أخفيت . وقرأ محمد بن كعب : ما أخفي ، فعلاً ماضياً مبنياً للفاعل . وقرأ الجمهور :{ مّن قُرَّةِ } ، على الإفراد . وقرأ عبد اللّه ، وأبو الدرداء ، وأبو هريرة ، وعوف العقيلي : من قرات ، على الجمع بالألف والتاء ، وهي رواية عن أبي جعفر والأعمش ؛ و { مَّا أُخْفِىَ } يحتمل أن تكون موصولة ، وأن تكون استفهامية ، فيكون { تَعْلَمْ } متعلقة . والجملة في موضع المفعول ، إن كان { تَعْلَمْ } مما عدى لواحد ؛ وفي موضع المفعولين إن كانت تتعدى لاثنين ، وتقدم تفسيره في { قُرَّةُ عَيْنٍ } في طه وفي الحديث ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : { أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، اقرؤا إن شئتم : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ }}. وقال ابن مسعود : في التوراة مكتوب على اللّه للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت إلى آخره .{ وَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ } : نكرة في سياق النفي ، فيعم جميع الأنفس مما ادّخرا للّه تعالى لأولئك ، وأخفاه من جميع خلائقه مما تقر به أعينهم ، لا يعلمه إلا هو ، وهذه عدة عظيمة لا تبلغ الأفهام كنهها ، بل ولا تفاصيلها . وقال الحسن : أخفوا اليوم أعمالاً في الدنيا ، فأخفى اللّه لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت . { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، وهو تعالى الموفق للعمل الصالح . وقال الزمخشري : فحسم أطماع المتمنين . انتهى ، وهذه نزغة اعتزالية . |
﴿ ١٧ ﴾