١٩

{أَشِحَّةً } : جمع شحيح ، وهو البخيل ، وهو جمع لا ينقاس ، وقياسه في الصفة المضعفة العين واللام فعلاء نحو : خليل وأخلاء ؛ فالقياس أشحاء ، وهو مسموع أيضاً ، ومتعلق الشح بأنفسهم ، أو بأحوالهم ، أو بأموالهم في النفقات في سبيل اللّه ، أو بالغنيمة عند القسم ، أقوال . والصواب : أن يعم شحهم كل ما فيه منفعة للمؤمنين .

وقال الزمخشري :{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } في وقت الحرب ، أضناء بكم ، يترفرفون عليكم ، كما يفعل الرجل بالذاب عن المناضل دونه عند الخوف .{ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } في تلك الحالة ، كما ينظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت ، حذراً وخوراً ولواذاً ، فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة ، نقلوا ذلك الشح وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير ، وهو المال والغنيمة وسوء تلك الحالة الأولى ، واجترؤوا عليكم وضربوكم بألسنتهم ، وقالوا : وفروا قسمتنا ، فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم ، وبمكاننا غلبتم عدوكم ، وبنا نصرتم عليهم . انتهى . وهو تكثير وتحميل للفظ ما لا يحتمله كعادته .

وقرأ الجمهور :{ أَشِحَّةً } ، بالنصب . قال الفراء : على الذم ، وأجاز نصبه على الحال ، والعامل يعوقون . وقال الطبري : حال من { هَلُمَّ إِلَيْنَا} وقال الزجاج : حال من { وَلاَ يَأْتُونَ } ؛

وقيل : حال من { الْمُعَوّقِينَ } ؛

وقيل : من { القائلين } ، ورد القولان بأن فيهما تفريقاً بين الموصول وما هو من تمام صلته .

وقرأ ابن أبي عبلة : أشحة ، بالرفع على إضمار مبتدأ ، أي هم أشحة .

{عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ } من العدو ، وتوقع أن يستأصل أهل المدينة ، لاذ هؤلاء المنافقون بك ينظرون نظر الهلوع المختلط النظر ، الذي يغشى عليه من الموت . و { تَدورُ } : في موضع الحال ، أي دائرة أعينهم .{ كَالَّذِى } : في موضع الصفة لمصدر محذوف ، وهو مصدر مشبه ، أي دوراناً كدوران عين الذي يغشى

عليه . فبعد الكاف محذوفان وهما : دوران وعين ، ويجوز أن يكون في موضع الصفة لمصدر من { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } ، نظراً كنظر الذي يغشى عليه .

وقيل : إذا جاء الخوف من القتال ، وظهر المسلمون على أعدائهم ، { رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ } في رؤوسهم ، وتجول وتضطرب رجاء أن يلوح لهم . قال قتادة : بسطوا ألسنتهم فيكم . قال يزيد ابن رومان : في أذى المؤمنين وسبهم وتنقيص الشرع . وقال قتادة : في طلب العطاء من الغنيمة ، والإلحاف في المسألة .

وقيل : السلق في مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمجاملة .

وقرأ الجمهور :{ سَلَقُوكُم } ، بالسين ؛ وابن أبي عبلة : بالصاد .

وقرأ ابن أبي عبلة : أشحة بالرفع ، أي هم أشحة ؛ والجمهور : بالنصب على الحال من { سَلَقُوكُم } ، وعلى الخبر يدل على عموم الشح في قوله أولاً :{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ}

وقيل : في هذا : أشحة على مال الغنائم .

وقيل : على مالهم الذي ينفقونه .

وقيل : على الرسول بظفره .

{أوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ } ، إشارة إلى المنافقين : أي لم يكن لهم قط إيمان . والإحباط : عدم قبول أعمالهم ، فكانت كالمحبطة .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإحباط ؟

قلت : لا ، ولكن تعليم لمن عسى يظن أن الإيمان باللسان إيمان ، وإن لم يواطئه القلب ؛ وأن ما يعمله المنافق من الأعمال يجزى عليه . فبين أن إيمانه ليس بإيمان ، وأن كل عمل يوجد منه باطل . انتهى ، وفي كلامه استعمال عسى صلة لمن ، وهو لا يجوز . وقال ابن زيد ، عن أبيه : نزلت في رجل بدري ، نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني ، فأحبط اللّه عمله في بدر وغيرها . وكان ذلك ، أي الإحباط ، أو حالهم من شحهم ونظرهم ، يسيراً لا يبالى به ، ولا له أثر في دفع خير ، ولا عليه شر .

وقال الزمخشري :{ عَلَى اللّه يَسِيراً } ، معناه : أن أعمالهم حقيقة بالإحباط ، تدعو إليه الدواعي ، ولا يصرف عنه صارف . انتهى ، وهي ألفاظ المعتزلة .

﴿ ١٩