٢٧

{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم } : أي أعانوا قريشاً ومن معهم من الأحزاب من أهل الكتاب ، هم يهود بني قريظة ، كما هو قول الجمهور . وعن الحسن : بنو النضير . وقذف الرعب سبب لإنزالهم ، ولكنه قدم المسبب ، لما كان السرور بإنزالهم أكثر والإخبار به أهم قدم . وقال رجل : يا رسول اللّه ، مر بنا دحية الكلبي على بغلة بيضاء عليهم قطيفة ديباج ، فقال : { ذلك جبريل ، عليه السلام ، بعث إلى بني قريظة ، يزلزل بهم حصونهم ، ويقذف الرعب في قلوبهم} . ولما رجعت الأحزاب ، جاء جبريل وقت الظهر فقال : إن اللّه يأمرك بالخروج إلى بني قريظة . فنادى في الناس : { لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة } ، فخرجوا إليهما ، فمصل في الطريق ، ورأى أن ذلك خرج مخرج التأكيد والاستعجال ؛ ومصل بعد العشاء ، وكل مصيب . فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة ،

وقيل : إحدى وعشرين ،

وقيل : خمسة عشر . فنزلوا على حكم سعد بن معاذ الأوسي ، لحلف كان بينهم ، رجوا حنوه عليهم ، فحكم أن يقتل المقاتلة ويسبي الذرية والعيال والأموال ، وأن تكون الأرض والثمار للمهاجرين دون الأنصار . فقالت له الأنصار في ذلك ، فقال : أردت أن يكون لهم أموال كما لكم ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { لقد حكمت فيهم بحكم اللّه من فوق سبعة أرفعة } ، ثم استنزلهم ، وخندق لهم في سوق المدينة ، وقدمهم فضرب أعناقهم ، وهم من بين ثمانمائة إلى تسعمائة .

وقيل : كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير . وجيء يحيى بن أخطب النضيري ، وهو الذي كان أدخلهم في الغدر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فدخل عندهم وفاء لهم ، فترك فيمن ترك على حكم سعد . فلما قرب ، وعليه حلتان تفاحيتان ، مجموعة يداه إلى عنقه ، أبصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا محمد واللّه ما لمت نفسي في عداوتك ، ولكن من يخذل اللّه يخذل . ثم قال : أيها الناس ، إنه لا بأس أمر اللّه وقدره ، ومحنة كتبت على بني إسرائيل ، ثم تقدم فضربت عنقه . وقال فيه بعض بني ثعلبة : لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه

ولكنه من يخذل اللّه يخذل

لا جهد حتى أبلغ النفس عذرهاوقلقل يبغي الغد كل مقلقل

وقتل من نسائهم امرأة ، وهي لبابة امرأة الحكم القرظي ، كانت قد طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتل ؛ ولم

يستشهد في حصار بني قريظة غيره . ومات في الحصار أبو سفيان بن محصن ، أخو عكاشة بن محصن ، وكان فتح قريظة في آخر ذي القعدة سنة خمس من الهجرة .

وقرأ الجمهور : وتاسرون ، بتاء الخطاب وكسر السين ؛ وأبو حيوة : بضمهما ؛ واليماني : بياء الغيبة ؛ وابن أنس ، عن ابن ذكوان : بياء الغيبة في : { تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ}{ وَأَوْرَثَكُمْ } : فيه إشعار أنه انتقل إليهم ذلك بعد موت أولئك المقتولين ومن نقلهم من أرضهم ، وقدمت لكثرة المنفعة بها من النحل والزرع ، ولأنهم باستيلائهم عليها ثانياً وأموالهم ليستعان بها في قوة المسلمين للجهاد ، ولأنها كانت في بيوتهم ، فوقع الاستيلاء عليها ثالثاً .{ وَأَرْضاً لَّمْ } : وعد صادق في فتح البلاد ، كالعراق والشام واليمن ومكة ، وسائر فتوح المسلمين . وقال عكرمة : أخبر تعالى أن قد قضى بذلك . وقال الحسن : أراد الروم وفارس . وقال قتادة : كنا نتحدث أنها مكة . وقال مقاتل ، ويزيد بن رومان ، وابن زيد : هي خيبر ؛

وقيل : اليمن ؛ ولا وجه لهذه التخصيصات ، ومن بدع التفاسير أنه أراد نساءهم .

وقرأ الجمهور : تطؤوها ، بهمزة مضمومة بعدها واو .

وقرأ زيد بن علي : لم تطوها ، بحذف الهمزة ، أبدل همزة تطأ ألفاً على حد قوله :

إن السباع لتهدا في مرابضها والناس لا يهتدى من شرهم أبدا

فالتقت ساكنة مع الواو فحذفت ، كقولك : لم تروها . وختم تعالى : هذه الآية بقدرته على كل شيء ، فلا يعجزه شيء ، وكان في ذلك إشارة إلى فتحه على المسلمين الفتوح الكثيرة ، وأنه لا يستبعد ذلك ، فكما ملكهم هذه ، فكذلك هو قادر على أن يملكهم غيرها من البلاد .

﴿ ٢٧