٧

الحمد للّه فاطر . . . . .

القمطير : المشهور أنه القشرة الرقيقة التي على نوى التمرة ، ويأتي ما

قال المفسرون . الجدد : جمع جدة ، وهي

الطريقة تكون من الأرض والجبل ، كالقطعة العظيمة المتصلة طولاً .

وقال الزمخشري : والجدد : الخطط والطرائق . وقال لبيد : أو مذهب جدد على الواحد ،

ويقال : جدة الحمار للخطة السوداء التي على ظهره ، وقد يكون للظبي جدتان مسكيتان تفصلان بين لوني ظهره وبطنه . انتهى . وقال الشاعر : كأن مبرات وجدة ظهره

كنائن يجري بينهن دليص

الجدة : الخط الذي في وسط ظهره ، يصف حمار وحش . الغربيب : الشديد السواد . لغب يلغب لغوباً : أعيا .

{الْحَمْدُ للّه فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللّه عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ}

هذه السورة مكية . ولما ذكر تعالى في آخر السورة التي قبلها هلاك المشركين أعداء المؤمنين ، وأنزلهم منازل العذاب ، تعين على المؤمنين حمده تعالى وشكره لنعمائه ووصفه بعظيم آلائه ، كما في قوله :{ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للّه رَبّ الْعَالَمِينَ}

وقرأ الضحاك والزهري : فطر ، جعله فعلاً ماضياً ونصب ما بعده . قال أبو الفضل الرازي : فأما على إضمار الذي فيكون نعتاً للّه عز وجل ،

وأما بتقدير قد فيما قبله فيكون بمعنى الحال . انتهى . وحذف الموصول الاسمي لا يجوز عند البصريين ،

وأما الحال فيكون حالاً محكية ، والأحسن عندي أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هو فطر ، وتقدم شرح { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } ، وأن المعنى خالقها بعد أن لم تكن ، والسموات والأرض عبارة عن العالم .

وقال أبو عبد اللّه الرازي : الحمد يكون في غالب الأمر على النعمة ، ونعم اللّه عاجلة ، و { الْحَمْدُ للّه الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } ، إشارة إلى أن النعمة العاجلة ودليله :{ هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً } ، و { الْحَمْدُ للّه الَّذِى أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ } ، إشارة إليها أيضاً ، وهي الاتقاء ، فإن الاتقاء والصلاح بالشرع والكتاب . والحمد في سورة سبأ إشارة إلى نعمة الإيجاد والحشر ، ودليله :{ يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى الاْرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } منها ، وقوله :{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ } ، وهنا إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة ، ودليله :{ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ} ففاطر السموات والأرض شاقهما لنزول الأرواح من السماء ، وخروج الأجساد من الأرض دليله :{ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ } : أي في ذلك اليوم . فأول هذه السورة متصل بآخر ما مضى ، لأن كما فعل بأشياعهم من قبل بيان لانقطاع رجاء من كان في شك مريب . ولما ذكر حالهم ذكر حال المؤمن وبشره بإرسال الملائكة إليهم مبشرين ، وأنه يفتح لهم أبواب الرحمة .

وقرأ الحسن : جاعل بالرفع ، أي هو جاعل ؛ وعبد الوارث عن أبي عمرو : وجاعل رفعاً بغير تنوين ، الملائكة نصباً ، حذف التنوين لالتقاء الساكنين .

وقرأ ابن يعمر ، وخليد بن نشيط : جعل فعلاً ماضياً ، الملائكة نصباً ، وذلك بعد قراءته فاطر بألف ، والجر كقراءة من قرأ :{ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الَّيْلَ سَكَناً}

وقرأ الحسن ، وحميد بن قيس : رسلاً بإسكان السين ، وهي لغة تميم .

وقال الزمخشري : وقرىء الذي فطر السموات والأرض وجعل الملائكة . فمن قرأ : فطر وجعل ، فينبغي أن تكون هذه الجمل إخباراً من العبد إلى ما أسداه إلينا من النعم ، كما تقول : الفضل لزيد أحسن إلينا بكذا خولنا كذا ، يكون ذلك جهة بيان لفعله الجميل ، كذلك يكون في قوله : فطر ، جعل ، لأن في ذلك نعماً لا تحصى . ومن قرأ : وجاعل ، فالأظهر أنهما اسماً فاعل بمعنى المضي ، فيكونان صفة للّه ، ويجيء الخلاف في نصب رسلاً . فمذهب السيرافي أنه منصوب باسم الفاعل ، وإن كان ماضياً لما لم يمكن إضافته إلى اسمين نصب الثاني . ومذهب أبي علي أنه منصوب بإضمار فعل ، والترجيح بين المذهبين مذكور في النحو .

وأما من نصب الملائكة فيتخرج على مذهب الكسائي وهشام في جواز إعمال الماضي النصب ، ويكون إذ ذاك إعرابه بدلاً .

وقيل : هو مستقبل تقديره : يجعل الملائكة رسلاً ، ويكون أيضاً إعرابه بدلاً . ومعنى رسلاً بالوحي وغيره من أوامره ، ولا يريد جميع الملائكة لأنهم ليسوا كلهم رسلاً . فمن الرسل : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل ، والملائكة المتعاقبون ، والملائكة المسددون حكام العدل وغيرهم ، كالملك الذي أرسله اللّه إلى الأعمى والأبرص والاقرع .

و { أَجْنِحَةٍ } جمع جناح ، صيغة جمع القلة ، وقياس جمع الكثرة فيه جنح على وزن فعل ، فإن كان لم يسمع كان أجنحة مستعملاً في القليل والكثير . وتقدم الكلام على مثنى وثلاث ورباع في أول النساء مشبعاً ، ولكن المفسرون تعرضوا لكلام فيه هنا ، ف

قال الزمخشري : مثنى وثلاث ورباع صفات الأجنحة ، وإنما لم تنصرف لتكرار العدل فيها ، وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الإعداد من صيغ إلى صيغ أخر ، كما عدل عمر عن عامر ، وحذام عن حاذمة ، وعن تكرير إلى غير تكرير .

وأما بالوصفية ، فلا تقترن الحال فيها بين المعدولة والمعدول عنها . ألا تراك تقول بنسوة أربع وبرجال ثلاثة فلا يعرج عليها ؟ انتهى . فجعل المانع للصرف هو تكرار العدل فيها ، والمشهور أنها امتنعت من الصرف للصفة والعدل .

وأما قوله : ألا تراك ، فإنه قاس الصفة في هذا المعدول على الصفة في أفعل وفي ثلاثة ، وليس بصحيح ، لأن مطلق الصفة لم يعدوه علة ، بل اشترطوا فيه . فليس الشرط موجوداً في أربع ، لأن شرطه أن لا يقبل تاء التأنيث . وليس شرطه في ثلاثة موجوداً ، لأنه لم يجعل علة مع التأنيث . فقياس الزمخشري قياس فاسد ، إذ غفل عن شرط كون الصفة علة . و

قال ابن عطية : عدلت عن حال التنكير ، فتعرفت بالعدل ، فهي لا تنصرف للعدل والتعريف ،

وقيل : للعدل والصفة . انتهى . وهذا الثاني هو المشهور ، والأول قول لبعض الكوفيين . والظاهر أن الملك الواحد من صنف له جناحان ، وآخر ثلاثة ، وآخر أربعة ، وآخر أكثر من ذلك ، لما روي أن لجبريل ستمائة جناح ، منها اثنان يبلغ بهما المشرق إلى المغرب . قال قتادة : وأخذ الزمخشري يتكلم على كيفية هذه الأجنحة ، وعلى صورة الثلاثة بما لا يجدي قائلاً : يطالع ذلك في كتابه . وقالت فرقة : المعنى أن في كل جانب من الملك جناحان ، ولبعضهم ثلاثة ، ولبعضهم أربعة ، وإلا فلو كانت ثلاثة لواحد ، لما اعتدلت في معتاد ما رأينا نحن من الأجنحة .

وقيل : بل هي ثلاثة لواحد ، كما يوجد لبعض الحيوانات . والظاهر أن المراد من الأجنحة ما وضعت له في اللغة .

وقال أبو عبد اللّه الرازي : يزيل بحثه في قوله :{ الْحَمْدُ للّه فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } ، وهو الذي حكينا عنه أن قوله :{ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } ، أقل ما يكون لذي الجناح ، إشارة إلى الجهة ، وبيانه أن اللّه ليس شيء فوقه ، وكل شيء تحت قدرته ونعمته ، والملائكة لهم وجه إلى اللّه يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم مما أخذوه بإذن اللّه ، كما

قال تعالى :{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاْمِينُ عَلَى قَلْبِكَ } ، وقوله :{ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } ،وقال تعالى في حقهم :{ فَالْمُدَبّراتِ أَمْراً } ، النازعات فهما جناحان ، وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة ، وفيهم من يفعله لا بواسطة . فالفاعل بواسطة فيهم من له ثلاث جهات ، ومنهم من له أربع جهات وأكثر . انتهى . وبحثه في هذه ، وفي { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } بحث

عجيب ، وليس على طريقة فهم العرب من مدلولات الألفاظ التي حملها ما حمل . والظاهر أن مثنى وما بعده من صفات الأجنحة ،

وقيل : { أُوْلِى أَجْنِحَةٍ } معترض ، { ومثنى } حال ، والعامل فعل محذوف يدل عليه { بَعْدِهِ رُسُلاً } ،أي يرسلون مثنى وثلاث ورباع . قيل : وإنما جعلهم أولي أجنحة ، لأنه لما جعلهم رسلاً ، جعل لهم أجنحة ليكون أسرع لنفاد الأمر وسرعة إنفاذ القضاء . فإن المسافة التي بين السماء والأرض لا تقطع بالأقدام إلا في سنين ، فجعلت لهم الأجنحة حتى ينالوا المكان البعيد في الوقت القريب كالطير .

{يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَاء } : تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب من خبر الملائكة أولي أجنحة ، أي ليس هذا ببدع في قدرة اللّه ، فإنه يزيد في خلقه ما يشاء ، والظاهر عموم الخلق . وقال الفراء : هذا في الأجنحة التي للملائكة ، أي يزيد في خلق الملائكة الأجنحة . وقالوا : في هذه الزيادة الخلق الحسن ، أو حسن الصوت ، أو حسن الخط ، أو لملاحة في العينين أو الأنف ، أو خفة الروح ، أو الحسن ، أو جعودة الشعر ، أو العقل ، أو العلم ، أو الصنعة ، أو العفة في الفقراء ، والحلاوة في الفم ، وهذه الأقوال على سبيل التمثيل لا الحصر . والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق ، وقد شرحوا هذه الزيادة بالأشياء المستحسنة ، وما يشاء عام لا يخص مستحسناً دون غيره . وختم الآية بالقدرة على كل شيء يدل على ذلك ، والفتح والإرسال استعارة للإطلاق ، { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } مكان لا فاتح له ، والمعنى : أي شيء يطلب اللّه .

{مِن رَّحْمَةِ } : أي نعمة ورزق ، أو مطر ، أو صحة ، أو أمن ، أو غير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحاط بعددها . وما روي عن المفسرين المتقدمين من تفسير رحمة بشيء معين فليس على الحصر منه ، إنما هو مثال .

قال الزمخشري : وتنكير الرحمة للإشاعة والإبهام ، كأنه قال : من أية رحمة كانت سماوية أو أرضية ، فلا يقدر أحد على إمساكها وحبسها ، وأي شيء يمسك اللّه فلا أحد يقدر على إطلاقه . انتهى . والعموم مفهوم من اسم الشرط ومن رحمة لبيان ذلك العام من أي صنف هو ، وهو مما اجتزىء فيه بالنكرة المفردة عن الجمع المعرف المطابق في العموم لاسم الشرط ، وتقديره : من الرحمات ، ومن في موضع الحال ، أي كائناً من الرحمات ، ولا يكون في موضع الصفة ، لأن اسم الشرط لا يوصف . والظاهر أن قوله :{ وَمَا يُمْسِكْ } عام في الرحمة وفي غيرها ، لأنه لم يذكر له تبيين ، فهو باق على العموم في كل ما يمسك . فإن كان تفسيره { مِن رَّحْمَةِ } ، وحذفت لدلالة الأول عليه ، فيكون تذكير الضمير في { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } حملاً على لفظ ما ، وأنث في { مُمْسِكَ لَهَا } على معنى ما ، لأن معناها الرحمة . وقرىء : فلا مرسل لها ، بتأنيث الضمير ، وهو دليل على أن التفسير هو { مِن رَّحْمَةِ } ، وحذف لدلالة ما قبله عليه .

وعن ابن عباس :{ مِن رَّحْمَةِ } : من باب توبة ، { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } : أي يتوبون إن شاؤوا وإن أبوا ، { وَمَا يُمْسِكْ } : من باب ، { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } من بعده ، فهم لا يتوبون . وعنه أيضاً :{ مِن رَّحْمَةِ } : من هداية .

قال الزمخشري :

فإن قلت : فما تقول فيمن فسر الرحمة بالتوبة وعزاه إلى ابن عباس ؟

قلت : أراد بالتوبة : الهداية لها والتوفيق فيها ، وهو الذي أراده ابن عباس ، إن قاله فمقبول ، وإن أراد أنه إن شاء أن يتوب العاصي تاب ، وإن لم يشأ لم يتب فمردود ، لأن اللّه تعالى يشاء التوبة أبداً ، ولا يجوز عليه أن لا يشاء بها . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال .{ مِن بَعْدِهِ } : هو على حذف مضاف ، أي من بعد إمساكه ، كقوله :{ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللّه } ،أي من بعد إضلال اللّه إياه ، لأن قبله وأضله اللّه على علم ، كقوله :{ وَمَن يُضْلِلِ اللّه فَلاَ هَادِيَ لَهُ } ، وقدره الزمخشري من بعد هداية اللّه ، وهو تقدير فاسد لا يناسب الآية ، جرى فيه على طريقة الاعتزال .{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } الغالب القادر على الإرسال والإمساك ، { الْحَكِيمُ } الذي يرسل ويمسك ما اقتضته حكمته .

{يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ } : خطاب لقريش ، وهو متجه لكل مؤمن وكافر ، ولا سيما من عبد غير اللّه ، وذكرهم بنعمه في إيجادهم . و { اذْكُرُواْ } : ليس أمراً بذكر اللسان ، ولكن به وبالقلب وبحفظ النعمة من كفرانها وشكرها ، كقولك لمن أنعمت عليه : اذكر أياديّ عندك ، تريد حفظها وشكرها ، والجميع مغمورون في نعمة اللّه . فالخطاب عام اللفظ ، وإن كان نزل ذلك بسبب قريش ، ثم استفهم على جهة التقرير .{ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّه } : أي فلا إله إلا الخالق ، ما تعبدون أنتم من الأصنام .

وقرأ ابن وثاب ، وشقيق ، وأبو جعفر ، وزيد بن علي ، وحمزة ، والكسائي : غير بالخفض ، نعتاً على اللفظ ، { وَمِنْ خَالِق }: { سقط : مبتدأ }

{سقط : ويرزقكم} جوزوا أن يكون خبراً للمبتدأ ، وإن يكون صفته ، وأن يكون مستأنفاً ، والخبر على هذين الوجهين محذوف تقديره لكم .

وقرأ شيبة ، وعيسى ، والحسن ، وباقي السبعة : { مّن مَّاء غَيْرِ } بالرفع ، وجوزوا أن يكون نعتاً على الموضع ، كما كان الخبر نعتاً على اللفظ ، وهذا أظهر لتوافق القراءتين ؛ وأن يكون خبراً للمبتدأ ، وأن يكون فاعلاً باسم الفاعل الذي هو خالق ، لأنه قد اعتمد على أداة الاستفهام ، فحسن إعماله ، كقولك : أقائم زيد في أحد وجهيه ؟ وفي هذا نظر ، وهو أن اسم الفاعل ، أو ما جرى مجراه ، إذا اعتمد على أداة الاستفهام وأجرى مجرى الفعل ، فرفع ما بعده ، هل يجوز أن تدخل عليه من التي للاستغراق فتقول : هل من قائم الزيدون ؟ كما تقول : هل قائم الزيدون ؟ والظاهر أنه لا يجوز . ألا ترى أنه إذا جرى مجرى الفعل ، لا يكون فيه عموم خلافه إذا أدخلت عليه من ، ولا أحفظ مثله في لسان العرب ، وينبغي أن لا يقدم على إجازة مثل هذا إلا بسماع من كلام العرب ؟

وقرأ الفضل بن إبراهيم النحوي : غير بالنصب على الاستثناء ، والخبر إما يرزقكم

وإما محذوف ، ويرزقكم مستأنف ؛ وإذا كان يرزقكم مستأنفاً ، كان أولى لانتفاء صدق خالق على غير اللّه ، بخلاف كونه صفة ، فإن الصفة تقيد ، فيكون ثم خالق غير اللّه ، لكنه ليس برازق . ومعنى { مّنَ السَّمَاء } : بالمطر ، { والاْرْضِ } : بالنبات ، { لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ } : جملة مستقلة لا موضع لها من الإعراب .{ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } : أي كيف يصرفون على التوحيد إلى الشرك ، وأن يكذبوك إلى الأمور ، تقدم الكلام على ذلك .

{إِنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ } : شامل لجميع ما وعد من ثواب وعقاب وغير ذلك .

وقرأ الجمهور :{ الْغُرُورِ } بفتح الغين ، وفسره ابن عباس بالشيطان .

وقرأ أبو حيوة ، وأبو السمال : بضمها جمع غار ، أو مصدراً ، كقوله :{ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ } ، وتقدم الكلام على ذلك في آخر لقمان .{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ } : عداوته سبقت لابنا آدم ، وأي عداوة أعظم من أن يقول في بنيه :{ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } ،{ وَلاَضِلَّنَّهُمْ } ؟{ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } : أي بالمقاطعة والمخالفة باتباع الشرع . ثم بين أن مقصوده في دعاء حزبه إنما هو تعذيبهم في النار ، يشترك هو وهم في العذاب ، فهو حريص على ذلك أشد الحرص حتى يبين صدق قوله في :{ فلاغوينهم } ،{ مَّفْرُوضاً وَلاَضِلَّنَّهُمْ } ، لأن الاشتراك فيما يسوء مما قد يتسلى به بخلاف المنفرد بالعذاب . ثم ذكر الفريقين ، وما أعدّ لهما من العقاب والثواب . وبدأ بالكفار لمجاورة قوله :{ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ } ، فاتبع خبر الكافر بحاله في الآخرة .

قال ابن عطية : واللام في ليكون لام الصيرورة ، لأنه لم يدعهم إلى السعير ، إنما اتفق أن صار أمرهم عن دعائه إلى ذلك . انتهى . ونقول : هو مما عبر فيه عن السبب بما تسبب عنه دعاؤهم إلى الكفر ، وتسبب عنه العذاب . و { الَّذِينَ كَفَرُواْ } ،{ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ} مبتدآن ، وجوز بعضهم في { الَّذِينَ كَفَرُواْ } أن يكون في موضع خفض بدلاً{ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } ،أو صفة ، وفي موضع نصب بدلاً من حزبه ، وفي موضع رفع بدلاً من ضمير { لّيَكُونُواْ } ، وهذا كله بمعزل من فصاحة التقسيم وجزالة التركيب .

﴿ ٧