١٤

{يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ } : تقدم شرح هذه الجمل . ولما ذكر أشياء كثيرة تدل على قدرته الباهرة ، من إرسال الرياح ، والإيجاد من تراب وما عطف عليه ، وإيلاج الليل في النهار ، وتسخير الشمس والقمر ؛ أشار إلى أن المتصف بهذه الأفعال الغريبة هو اللّه فقال :{ ذَلِكُمُ اللّه رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ } ، وهي أخبار مترادفة ؛ والمبتدأ { ذالِكُمْ } ، و { اللّه رَبُّكُمُ } خبران ، و { لَهُ الْمُلْكُ } جملة مبتدأ في قران قوله :{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ}

قال الزمخشري : ويجوز في حكم الإعراب إيقاع اسم اللّه صفة لاسم الإشارة

وعطف بيان ، وربكم خبر ، لولا أن المعنى يأباه . انتهى . أما كونه صفة ، فلا يجوز ، لأن اللّه علم ، والعلم لا يوصف به ، وليس اسم جنس كالرجل ، فتتخيل فيه الصفة .

وأما قوله : لولا أن المعنى يأباه ، فلا يظهر أن المعنى يأباه ، لأنه يكون قد أخبر بأن المشار إليه بتلك الصفات والأفعال المذكورة ربكم ، أي مالكم ، أو مصلحكم ، وهذا معنى لائق سائغ ، والذين يدعون من دونه هي الأوثان .

وقرأ الجمهور : تدعون ، بتاء الخطاب ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب : بياء الغيبة . وقال صاحب الكامل أبو القاسم بن جبارة : يدعون بالياء ، اللؤلؤي عن أبي عمرو وسلام ، والنهاوندي عن قتيبة ، وابن الجلاء عن نصير ، وابن حبيب وابن يونس عن الكسائي ، وأبو عمارة عن حفص . والقطمير ، تقدم شرحه . وقال جويبر عن رجاله ، والضحاك : هو القمع الذي في رأس التمرة . وقال مجاهد : لفافة النواة ؛

وقيل : الذي بين قمع التمرة والنواة ؛

وقيل : قشر الثوم ؛ وأياماً كان ، فهو تمثيل للقليل ، وقال الشاعر : وأبوك يخفف نعله متوركا

ما يملك المسكين من قطمير

{لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ } ، لأنهم جماد ؛{ وَلَوْ سَمِعُواْ } ، هذا على سبيل الفرض ؛{ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ } ، لأنهم لا يدعون لهم من الإلهية ، يتبرؤون منها .

وقيل : ما نفعوكم ، وأضاف المصدر : في شرككم ، أي بإشراككم لهم مع اللّه في عبادتكم إياهم كقوله :{ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } ، فهي إضافة إلى الفاعل . وقوله :{ يَكْفُرُونَ } ، يحتمل أن يكون بما يظهر هنالك من جمودها وبطئها عند حركة ناطق ، ومدافعة كل محتج ، فيجيء هذا على طريق التجوز ، كقول ذي الرمة : وقفت على ربع لمية ناطق

تخاطبني آثاره وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثه

تكلمني أحجاره وملاعبه

{وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } ، قال قتادة وغيره من المفسرين : الخبير هنا أراد به تعالى نفسه ، فهو الخبير الصادق الخبر ، نبأ بهذا ، فلا شك في وقوعه .

قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون قوله :{ وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } من تمام ذكر الأصنام ، كأنه قال : فلا يخبرك مثل من يخبرك عن نفسه ، أي لا يصدق في تبرئها من شرككم منها ، فيريد بالخبير على هذا المثل لهما ، كأنه قال : ولا ينبئك مثل خبير عن نفسه ، وهي قد أخبرت عن نفسها بالكفر بهؤلاء .

وقال الزمخشري : لا يخبرك بالأمر مخبر ، هو مثل خبير عالم به ، يريد أن الخبير بالأمر هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به . والمعنى : أن هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق ، لأني خبير بما أخبر به . وقال في التجريد : يحتمل وجهين : أن يكون ذلك خطاباً للرسول لما أخبر بأن الخشب والحجر يوم القيامة ينطق ويكذب عابده ، وهو أمر لا يعلم بالعقل المجرد لولا إخبار اللّه عنه ،

قال تعالى :{ أَنَّهُمْ بِرَبّهِمْ يَكْفُرُونَ } ،أي يكفرون بهم يوم القيامة ، وهذا القول مع كون المخبر عنه أمراً عجيباً هو كما قال ، لأن المخبر عنه خبير .

والثاني : أن يكون خطاباً ليس مختصاً بأحد ، أي هذا الذي ذكر هو كما ذكر ، لا ينبئك أيها السامع كائناً من كنت مثل خبير .

﴿ ١٤