١٣{وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ } : الظاهر انطلاقهم عن مجلس أبي طالب ، حين اجتمعوا هم والرسول عنده وشكوه على ما تقدّم في سبب النزول ؛ ويكون ثم محذوف تقديره : يتحاورون .{ أَنِ امْشُواْ } ، وتكون أن مفسرة لذلك المحذوف ، وامشوا أمر بالمشي ، وهو نقل الأقدام عن ذلك المجلس . وقال الزمخشري : وأن بمعنى أي ، لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم ، فكان انطلاقهم مضمناً معنى القول والأمر بالمشي ، أي بعضهم أمر بعضاً . وقيل : أمر الأشراف أتباعهم وأعوانهم . ويجوز أن تكون أن مصدرية ، أي وانطلقوا بقولهم امشوا ، وقيل : الانطلاق هنا الاندفاع في القول والكلام ، وأن مفسرة على هذا ، والأمر بالمشي لا يراد به نقل الخطا ، إنما معناه : سيروا على طريقتكم ودوموا على سيرتكم . وقيل :{ امْشُواْ } دعاء بكسب الماشية ، قيل : وهو ضعيف ، لأنه كان يلزم أن تكون الألف مقطوعة ، لأنه إنما يقال : أمشي الرجل إذا صار صاحب ماشية ؛ وأيضاً فهذا المعنى غير متمكن في الآية . وقال الزمخشري : ويجوز أنهم قالوا : امشوا ، أي أكثروا واجتمعوا ، من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها ؛ ومنه الماشية للتفاؤل . انتهى . وأمروا بالصبر على الآلهة ، أي على عبادتها والتمسك بها . والإشارة بقوله :{ إِنَّ هَذَا } أي ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلوه بالنبوة ، { لَشَىْء يُرَادُ } : أي يراد منا الانقياد إليه ، أو يريده اللّه ويحكم بإمضائه ، فليس فيه إلا الصبر ، أو أن هذا الأمر شيء من نوائب الدهر مراد منا ، فلا انفكاك عنه ، وأن دينكم لشيء يراد ، أي يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا معليه ، احتمالات أربعة . وقال القفال : هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف ، المعنى : أنه ليس غرضه من هذا القول تقرير للدين ، وإنما غرضه أن يستولي علينا ، فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد .{ مَّا سَمِعْنَا بِهَاذَا فِى الْمِلَّةِ الاْخِرَةِ } ، قال ابن عباس ، ومجاهد ، ومحمد بن كعب ، ومقاتل : ملة النصارى ، لأن فيها التثليث ، ولا توحد . وقال مجاهد ، وقتادة : ملة العرب : قريش ونجدتها . وقال الفراء ، والزجاج : ملة اليهود والنصرانية ، أشركت اليهود بعزير ، وثلث النصارى . وقيل : في الملة الآخرة التي كنا نسمع أنها تكون في آخر الزمان ، وذلك أنه قبل المبعث ، كان الناس يستشعرون خروج نبي وحدوث ملة ودين . ويدل على صحة هذا ما روي من أقوال الأحبار أولي الصوامع ، وما روي عن الكهان شق وسطيح وغيرهما ، وما كانت بنو إسرائيل تعتقد من أنه يكون منهم . وقيل : في الملة الآخرة ، أي لم نسمع من أهل الكتاب ولا الكهان أنه يحدث في الملة الآخرة توحيد اللّه . { إِنْ هَاذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ } : أي افتعال وكذب . {عَلَيْهِ الذّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل } : أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم ، وهذا الإنكار هو ناشىء عن حسد عظيم انطوت عليه صدورهم فنطقت به ألسنتهم .{ بْل هُمْ فَى شَكّ مّن ذِكْرِى } : أي من القرآن الذي أنزلت على رسولي يرتابون فيه ، والإخبار بأنهم في شك يقتضي كذبهم في قولهم :{ إِنْ هَاذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ}{ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } : أي بعد ، فإذا ذاقوه عرفوا أن ما جاء به حق وزال عنهم الشك .{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ } : أي ليسوا متصرفين في خزائن الرحمة ، فيعطون ما شاؤوا ، ويمنعون من شاؤوا ما شاؤوا ، ويصطفون للرسالة من أرادوا ، وإنما يملكها ويتصرف فيها { الْعَزِيزُ } : الذي لا يغالب ، { الْوَهَّابُ } : ما شاء لمن شاء . لما استفهم استفهام إنكار في قوله :{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ } ، وكان ذلك دليلاً على انتفاء تصرفهم في خزائن رحمة ربك ، أتى بالإنكار والتوبيخ بانتفاء ما هو أعم فقال :{ أَمْ لَهُم مٌّ لْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } : أي ليس لهم شيء من ذلك .{ فَلْيَرْتَقُواْ } : أي ألهم شيء من ذلك ، فليصعدوا ، { فِى الاْسْبَابُ } ، الموصولة إلى السماء ، والمعارج التي يتوصل بها إلى تدبير العالم ، فيضعون الرسالة فيمن اختاروا . ثم صغرهم وحقرهم ، فأخبر بما يؤول إليه أمرهم من الهزيمة والخيبة . قيل : وما زائدة ، ويجوز أن تكون صفة أريد به التعظيم على سبيل الهزء بهم ، أو التحقير ، لأن مال الصفة تستعمل على هذين المعنيين . و { هُنَالِكَ } : ظرف مكان يشار به للبعيد . والظاهر أنه يشار به للمكان الذي تفاوضوا فيه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بتلك الكلمات السابقة ، وهو مكة ، فيكون ذلك إخباراً بالغيب عن هزيمتهم بمكة يوم الفتح ، فالمعنى أنهم يصيرون مهزومين بمكة يوم الفتح . وقيل :{ هُنَالِكَ } ، إشارة إلى الإرتقاء في الأسباب ، أي هؤلاء القوم إن راموا ذلك جند مهزوم . وقيل : أشير بهنالك إلى جملة الأصنام وعضدها ، أي هم جند مهزوم في هذه السبيل . وقال مجاهد ، وقتادة : الإشارة إلى يوم بدر ، وكان غيباً ، أعلم اللّه به على لسان رسوله . وقيل : الإشارة إلى حصر عام الخندق بالمدينة . وقال الزمخشري : وهنالك ، إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم من قولهم : لمن يندبه لأمر ليس من أهله ، لست هنالك . انتهى . و { هُنَالِكَ } ، يحتمل أن يكون في موضع الصفة لجند ، أي كائن هنالك ؛ ويحتمل أن يكون متعلقاً بمهزوم ، وجند خبر مبتدأ محذوف ، أي هم جند ، ومهزوم خبره . وقال أبو البقاء : جند مبتدأ ، وما زائدة ، وهنالك نعت ، ومهزوم الخبر . انتهى . وفيه بعد لفصله عن الكلام الذي قبله . ومعنى { مّن الاْحَزَابِ } : من جملة الأحزاب الذين تعصبوا في الباطل وكذبوا الرسل . ولما ذكر تعالى أنه أهلك قبل قريش قروناً كثيرة لما كذبوا رسلهم ، سرد منهم هنا من له تعلق بعرفانه . و { ذُو الاْوْتَادِ } : أي صاحب الأوتاد ، وأصله من ثبات البيت المطنب بأوتاده . قال الأفوه العوذي : والبيت لا يبتنى إلا على عمد ولا عماد إذا لم ترس أوتاد فاستعير لثبات العز والملك واستقامة الأمر ، كما قال الأسود : في ظل ملك ثابت الأوتاد قاله الزمخشري ، وأخذه من كلام غيره . وقال ابن عباس ، وقتادة ، وعطاء : كانت له أوتاد وخشب يلعب بها وعليها . وقال السدي : كان يقتل الناس بالأوتاد ، ويسمرهم في الأرض بها . وقال الضحاك : أراد المباني العظيمة الثابتة . وقيل : عبارة عن كثرة أخبيته وعظم عساكره . وقيل : كان يشج المعذب بين أربع سواري ، كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروبة فيها وتد من حديث ، ويتركه حتى يموت . روي معناه عن الحسن ومجاهد ، وقيل : كان يمده بين أربعة أوتاد في الأرض ، ويرسل عليه العقارب والحيات . وقيل : يشدهم بأربعة أوتاد ، ثم يرفع صخرة فتلقى عليه فتشدخه . وقال ابن مسعود ، وابن عباس ، في رواية عطية : الأوتاد : الجنود ، يشدون ملكه ، كما يقوي الوتد الشيء . وقيل : بنى مناراً يذبح عليها الناس ، قاله ابن جبير . { أُوْلَئِكَ الاْحْزَابُ } : أي الذين تحزبوا على أنبيائهم ، كما تحزب قريش على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. والظاهر أن الإشارة بأولئك إلى أقرب مذكور ، وهم قوم نوح ومن عطف عليهم ؛ وفيه تفخيم لشأنهم وإعلاء لهم على من تحزب على رسول اللّه ، أي هؤلاء العظماء لما كذبوا عوقبوا ، وكذلك أنتم . |
﴿ ١٣ ﴾