٤٠

فمن أظلم ممن . . . . .

اشمأز ، قال أبو زيد : زعر . قال غيره : تقبض كراهة ونفوراً . قال الشاعر : إذا عض الثقات بها اشمأزت

وولته عشوزية زبونا

المقاليد : المفاتيح ، قيل : لا واحد لها من لفظها ، قاله التبريزي .

وقيل : واحدها مقليد ،

وقيل : مقلاد ،

ويقال : إقليد وأقاليد ، والكلمة أصلها فارسية . الزمر : جمع زمرة ، قال أبو عبيد والأخفش : جماعات متفرقة ، بعضها إثر بعض . قال :

حتى احزألت زمر بعد زمر

ويقال : تزمر . والحفوف : الإحداق بالشيء ، قال الشاعر : تحفه جانب ضيق ويتبعه

مثل الزجاجة لم يكحل من الرمد

وهذه اللفظة مأخوذة من الحفاف ، وهو الجانب ، ومنه قول الشاعر :

له لحظات عن حفافي سريره

إذا كرها فيها عقاب ونائل

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى اللّه } : هذا تفسير وبيان للذين يكون بينهم الخصومة ، وهذا يدل على أن الاختصام السابق يكون بين المؤمنين والكافرين ، والمعنى : لا أجد في المكذبين أظلم ممن افترى على اللّه ، فنسب إليه الولد والصاحبة والشريك ، وحرّم وحلل من غير أمر اللّه ؛{ وَكَذَّبَ بِالصّدْقِ } : وهو ما جاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؛{ إِذْ جَاءهُ } : أي وقت مجيئه ، فاجأه بالتكذيب من غير فكر ولا ارتياء ولا نظر ، بل وقت مجيئه كذب به . ثم توعدهم توعداً فيه احتقارهم على جهة التوقيف ، وللكافرين مما قام فيه الظاهر مقام المضمر ، أي مثوى لهم ، وفيه تنبيه على علة كذبهم وتكذبيهم ، وهو الكفر .{ وَالَّذِى جَاء بِالصّدْقِ اللّه بِهَاذَا فَمَنْ أَظْلَمُ}{ وَصَدَّقَ بِهِ } مقابل لقوله :{ وَكَذَّبَ بِالصّدْقِ} والذي جنس ، كأنه قال : والفريق الذي جاء بالصدق ، ويدل عليه :{ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } ، فجمع . كما أن المراد بقوله :{ فَمَنْ أَظْلَمُ } ، يراد به جمع ، ولذلك قال { مَثْوًى لّلْكَافِرِينَ} وفي قراءة عبد اللّه : والذي جاؤا بالصدق وصدقوا به .

وقيل : أراد والذين ، فحذفت منه النون ، وهذا ليس بصحيح ، إذ لو أريد الذين بلفظ الذي وحذفت منه النون ، لكان الضمير مجموعاً كقوله :

وإن الذي حانت بفلح دماؤهم

ألا ترى أنه إذا حذفت النون في المثنى كان الضمير مثنى ؟ كقوله :

أبني كليب أن عميّ اللذا

قتلا الملوك وفككا الأغلالا

وقيل : الذي جاء بالصدق وصدق به هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقيل : الذي جاء بالصدق جبريل ، والذي صدق به هو محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقال عليّ ، وأبو العالية ، والكلبي ، وجماعة : الذي جاء بالصدق هو الرسول ، والذي صدق به هو أبو

بكر . وقال أبو الأسود ، ومجاهد ، وجماعة : الذي صدق به وهو عليّ بن أبي طالب .

وقال الزمخشري : والذي جاء بالصدق وصدق به هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. جاء بالصدق وآمن به ، وأراد به إياه ومن تبعه ، كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله : { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } ، ولذلك قال :{ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } ، إلا أن هذا في الصفة ، وذلك في الاسم . ويجوز أن يريد : والفوج والفريق الذي جاء بالصدق وصدق به ، وهو الرسول الذي جاء بالصدق ، وصحابته الذين صدقوا به . انتهى . وقوله : وأراد به إياه ومن تبعه ، كما أراد بموسى إياه وقومه . استعمل الضمير المنفصل في غير موضعه ، وإنما هو متصل ، فإصلاحه وأراده به ومن تبعه ، كما أراده بموسى وقومه : أي لعل قومه يهتدون ، إذ موسى عليه السلام مهتدٍ . فالمترجى هداية قومه ، لا هدايته ، إذ لا يترجى إلا ما كان مفقوداً لا موجوداً . وقوله : ويجوز إلخ ، فيه توزيع الصلة ، والفوج هو الموصول ، فهو كقوله : جاء الفريق الذي شرف وشرّف . والأظهر عدم التوزيع ، بل المعطوف على الصلة ، صلة لمن له الصلة الأولى .

وقرأ الجمهور :{ وَصَدَقَ } مشدداً ؛ وأبو صالح ، وعكرمة بن سليمان ، ومحمد بن جحازة : مخففاً . قال أبو صالح : وعمل به .

وقيل : استحق به اسم الصدق .

قال ابن عطية : فعلى هذا إسناد الأفعال كلها إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وكأن أمته في ضمن القول ، وهو الذي يحسن { أُوْلَائِكَ الْمُتَّقُونَ} انتهى .

وقال الزمخشري : أي صدق به الناس ، ولم يكذبهم به ، يعني : أداه إليهم ، كما نزل عليه من غير تحريف .

وقيل : معناه : وصار صادقاً به ، أي بسببه ، لأن القرآن معجزة ، والمعجزة تصديق من الحكيم الذي لا يفعل القبيح لمن يجريها على يديه ، ولا يجوز أن يصدق إلا الصادق ، فيصير لذلك صادقاً بالمعجزة . وقرىء : وصدق به . انتهى ، يعني : مبنياً للمفعول مشدداً . وقال صاحب اللوامح : جاء بالصدق من عند اللّه وصدق بقوله ، أي في قوله ، أو في مجيئه ، فاجتمع له الصفتان من الصدق : من صدقه من عند اللّه ، وصدقه بنفسه ، وذلك مبالغة في المدح . انتهى .

{لَهُم مَّا يَشَاءونَ } : عام في كل ما تشتهيه أنفسهم وتتعلق به إرادتهم . و { لِيُكَفّرَ } : متعلق بالمحسنين ، أي الذين أحسنوا ليكفر ، أو بمحذوف ، أي يسر ذلك لهم ليكفر ، لأن التكفير لا يكون إلا بعد التيسير للخير . و { أَسْوَأَ الَّذِى عَمِلُواْ } : هو كفر أهل الجاهلية ومعاصي أهل الإسلام . والتكفير يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه ، والجزاء بالأحسن يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه ، فقيل : ذلك يكون إذا صدقوا الأنبياء فيما أتوابه . وقال مقاتل : يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ، ولا يجزيهم بالمساوي ، وهذا قول المرجئة ، يقولون : لا يضر شيء من المعاصي مع الإيمان . واحتج بهذه الآية ، وقام الظاهر مقام المضمر في المحسنين ، أي ذلك جزاؤهم ، فنبه بالظاهر على العلة المقتضية لحصول الثواب . والظاهر أن أسوأ أفعل تفضيل ، وبه قرأ الجمهور : وإذا كفر أسوأ أعمالهم ، فتكفير ما هو دونه أحرى .

وقيل : أفعل ليس للتفضيل ، وهو كقولك : الأشج أعدل بني مروان ، أي عادل ، فكذلك هذا ، أي سيء الذين عملوا . ويدل على هذا التأويل قراءة ابن مقسم ، وحامد بن يحيى ، عن ابن كثير : أسوأ هنا ؛ وفي حم السجدة بألف بين الواو والهمزة جمع سوء ، ولا تفضيل فيه . والظاهر أن بأحسن أفعل تفضيل فقيل : لينظر إلى أحسن طاعاته فيجزي الباقي في الجزاء على قياسه ، وإن تخلف عنه بالتقصير .

وقيل : بأحسن ثواب أعمالهم .

وقيل : بأحسن من عملهم ، وهو الجنة ، وهذا ينبو عنه { بِأَحْسَنِ الَّذِى}

وقال الزمخشري : أما التفضيل فيؤذن بأن الشيء الذي يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرات هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية ، والحسن الذي يعملون هو عند اللّه الأحسن لحسن إخلاصهم فيه ، فلذلك ذكر سيئهم بالأسوأ ، وحسنهم بالأحسن . انتهى ، وهو على رأى المعتزلة ، ويكون قد استعمل أسوأ في التفضيل على معتقدهم ، وأحسن في التفضيل على ما هو عند اللّه ، وذلك توزيع في أفعل التفضيل ، وهو خلاف الظاهر .

قالت قريش : لئن لم ينته

محمد عن تعييب آلهتنا وتعيينا ، لنسلطها عليه فتصيبه بخبل وتعتريه بسوء ، فأنزل اللّه : { أَلَيْسَ اللّه بِكَافٍ عَبْدَهُ } : أي شر من يريده بشر ، والهمزة الداخلة على النفي للتقرير ، أي هو كاف عبده ، وفي إضافته إليه تشريف عظيم لنبيه .

وقرأ الجمهور : عبده ، وهو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقرأ أبو جعفر ، ومجاهد ، وابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي : عباده بالجمع ، أي الأنبياء والمطيعين من المؤمنين ؛{ وَيُخَوّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ } : وهو الأصنام . ولما بعث خالداً إلى كسر العزى ، قال له سادنها : إني أخاف عليك منها ، فلها قوة لا يقوم لها شيء . فأخذ خالد الفأس ، فهشم به وجهها ثم انصرف .

وفي قوله :{ وَيُخَوّفُونَكَ } ، تهكم بهم لأنهم خوفوه بما لا يقدر على نفع ولا ضرر . ونظير هذا التخويف قول قوم هو دله :{ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} وقرىء :{ عَلَى عَبْدِهِ } على الإضافة ، ويكافي عباده مضارع كفى ، ونصب عباده فاحتمل أن يكون مفاعلة من الكفاية ، كقولك : يجازي في يجزي ، وهو أبلغ من كفى ، لبنائه على لفظظ المبالغة ، وهو الظاهر لكثرة تردّد هذا المعنى في القرآن ، كقوله :{ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّه} ويحتمل أن يكون مهموزاً من المكافأة ، وهي المجازاة ، أي يجزيهم أجرهم .

ولما كان تعالى كافي عبده ، كان التخويف بغيره عبثاً باطلاً . ولما اشتملت الآية على مهتدين وضالين ، أخبر أن ذلك كله هو فاعله ، ثم قال :{ أَلَيْسَ اللّه بِعَزِيزٍ } : أي غالب منيع ، { ذِى انتِقَامٍ } : وفيه وعيد لقريش ، ووعد للمؤمنين . ولما أقروا بالصانع ، وهو اللّه ، أخبرهم أنه تعالى هو المتصرف في نبيه بما أراد . فإن تلك الأصنام التي يدعونها آلهة من دونه لا تكشف ضراً ولا تمسك رحمة ، أي صحة وسعة في الرزق ونحو ذلك . وأرأيتم هنا جارية على وضعها ، تعدت إلى مفعولها الأول ، وهو ما يدعون . وجاء المفعول الثاني جملة استفهامية ، وفيها العائد على ما ، وهو لفظ هن وأنث تحقيراً لها وتعجيزاً وتضعيفاً . وكان فيها من سمى تسمية الإناث ، كالعزى ومناة واللات ، وأضاف إرادة اللّه الضر إلى نفسه والرحمة إليها ، لأنهم خوفوه مضرتها ، فاستسلف منهم الإقرار بأن خالق العالم هو اللّه . ثم استخبرهم عن أصنامهم ، هل تدفع شرّاً وتجلب خيراً ؟

وقرأ الجمهور : كاشفات وممسكات على الإضافة ؛ وشيبة ، والأعرج ، وعمرو بن عبيد ، وعيسى : بخلاف عنه ؛ وأبو عمرو ، وأبو بكر ؛ بتنوينهما ونصب ما بعدهما . ولما تقرر أنه تعالى كافية ، وأن أصنامهم لا تضر ولا تنفع ، أمره تعالى أنه يعلم أنه تعالى هو حسبه ، أي كافية . والجواب في هذا الاستخبار محذوف ، والتقدير : فإنهم سيقولون : لا تقدر على شيء من ذلك . وقال مقاتل : استخبرهم فسكتوا .{ قُلْ ياأَهْلَ قَوْمٌ اعْمَلُواْ } : تقدم الكلام على نظيرها .

﴿ ٤٠