١٠{وَقِهِمُ السَّيّئَاتِ } : أي امنعهم من الوقوع فيها حتى لا يترتب عليها اجزاؤها ، أو وقهم جزاء السيئات التي إجترحوها ، فحذف المضاف ولا تكرار في هذا ، وقوله :{ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } لعدم توافق المدعو لهم أن الدعاء الأول للذين تابوا ، والثاني أنه لهم ولمن صلح من المذكورين ، أو لا ختلاف الدعاءين إذا أريد بالسيئات أنفسهم ، فذلك وقاية عذاب الجحيم ، وهذا وقاية الوقوع في السيئات . والتنوين في بومئذ تنوين العوض ، والمحذوف جملة عوض منها التنوين ، ولم تتقدم جملة يكون التنوين عوضاً منها ، كقوله :{ فَلَوْلا إِذْ بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ } ،{ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ } أي حين إذ بلغت الحلقوم ، فلا بد من تقدير جملة يكون التنوين عوضاً منها كقوله ، يدل عليها معنى الكلام ، وهي { وَمَن تَقِ السَّيّئَاتِ } : أي جزاءها يوم إذ يؤاخذ بها { فَقَدْ رَحِمْتَهُ} ولم يتعرض أحد من المفسرين الذين وقفنا على كلامهم في الآية للجملة التي عوض منها التنوين في يومئذ ، وذلك إشارة إلى الغفران . ودخول الجنة ووقاية العذاب هو الفوز بالظفر العظيم الذي عظم خطره وجل صنعه . ولما ذكر شيئاً من أحوال المؤمنين ، وذكر شيئاً من أحوال الكافرين ، وما يجري لهم في الآخرة من اعترافهم بذنوبهم واستحقاقهم العذاب وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا . ونداؤهم ، قال السدي : في النار . وقال قتادة : يوم القيامة ، والمنادون لهم الزبانية على جهة التوبيخ والتقريع . واللام في { لَمَقْتُ } لام الابتداء ولام القسم ، ومقت مصدر مضاف إلى الفاعل ، التقدير : لمقت اللّه إياكم ، أو لمقت اللّه أنفسكم ، وحذف المفعول لدلالة ما بعده عليه في قوله :{ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} والظاهر أن مقت اللّه إياهم هو في الدنيا ، ويضعف أن يكون في الآخرة ، كما قال بعضهم لبقاء إذ تدعون ، مفلتاً من الكلام ، لكونه ليس له عامل تقدم ، ولا مفسر لعامل . فإذا كان المقت السابق في الدنيا ، أمكن أن يضمر له عامل تقديره : مقتكم إذ تدعون . وقال الزمخشري : وإذ تدعون منصوب بالمقت الأول ، والمعنى : أنه يقال لهم يوم القيامة : إن اللّه مقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفرحين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان ، فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر ، أشد مما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار ، إذ أوقعتكم فيها بأتباعكم هواهن . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال . وأخطأ في قوله :{ وَإِذْ تَدْعُونَ } منصوب بالمقت الأول ، لأن المقت مصدر ، ومعموله من صلته ، ولا يجوز أن يخبر عنه إلا بعد استيفائه صلته ، وقد أخبر عنه بقوله :{ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } ، وهذا من ظواهر علم النحو التي لا تكاد تخفي على المبتدئين ، فضلاً عمي تدعي العجم أنه في العربية شيخ العرب والعجم . ولما كان الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر ، لا يجوز قدرنا العامل فيه مضمر ، أي مقتكم إذ تدعون ، وشبيهة قوله تعالى :{ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} قدروا العامل برجعه { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } للفصل ب { لَقَادِرٌ } بين المصدر ويوم . واختلاف زماني المقتين الأول في الدنيا والآخرة هو قول مجاهد وقتادة وابن يد والآكثرين .{ وتقدم } ، لنا أن منهم من قال في الآخرة ، وهو قول الحسن . قال الزمخشري : وعن الحسن لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا :{ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللّه} وقيل : معناه لمقت اللّه إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض ، كقوله تعالى :{ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } ،{ وَإِذْ تَدْعُونَ } تعليل . انتهى . وكان قوله :{ وَإِذْ تَدْعُونَ } تعليل من كلام الزمخشري . وقال قوم : إذ تدعون معمول ، لا ذكر محذوفة ، ويتجه ذلك على أن يكون مقت اللّه إياهم في الآخرة ، على قول الحسن ، قيل لهم ذلك توبيخاً وتقريعاً وتنبيهاً على ما فاتهم من الإيمان والثواب . ويحتمل أن يكون قوله : من مقت أنفسكم ، أن كل واحد يمقت نفسه ، أو أن بعضكم يمقت بعضاً ، كما قيل : إن الأتباع يمقتون الرؤساء لما ورطوهم فيه من الكفر ، والرؤساء يمقتون الأتباع ، وقيل : يمقتون أنفسهم حين قال لهم الشيطان :{ فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ } ، والمقت أشد البغض ، وهو مستحيل في حق اللّه تعالى ، فمعناه : الإنكار والزجر . |
﴿ ١٠ ﴾