١٣{قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } : وجه اتصال هذه بما قبلها أنهم كانوا ينكرون البعث ، وعظم مقتهم أنفسهم هذا الإنكار ، فلما مقتوا أنفسهم ورأوا حزناً طويلاً رجعوا إلى الإقرار بالبعث ، فأقروا أنه تعالى أماتهم اثنتين وأحياهم اثنتين تعظيماً لقدرته وتوسلاً إلى رضاه ، ثم أطمعوا أنفسهم بالاعتراف بالذنوب أن يردوا إلى الدنيا ، أي إن رجعنا إلى الدنيا ودعينا للإيمان بادرنا ، إليه . وقال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، وأبو مالك : موتهم كوبهم ماء في الأصلاب ، ثم إحياؤهم في الدنيا ، ثم موتهم فيها ، ثم إحياؤهم يوم القيامة . وقال السدي : إحياؤهم في الدنيا ، ثم إماتتهم فيها ، ثم إحياؤهم في القبر لسؤال الملكين ، ثم إماتتهم فيه ، ثم إحياؤهم في الحشر . وقال ابن زيد : إحياؤهم نسماً عند أخذ العهد عليهم من صلب آدم ، ثم إماتتهم بعد ، ثم إحياؤهم في الدنيا ، ثم إماتتهم ، ثم إحياؤهم ، فعلى هذا والذي قبله تكون ثلاثة إحياآت ، وهو خلاف القرآن . وقال محمد بن كعب : الكافر في الدنيا حي الجسد ، ميت القلب ، فاعتبرت الحالتان ، ثم إماتتهم حقيقة ، ثم إحياؤهم في البعث ، وتقدم الكلام في أول البقرة على الإماتتين والإحياءين في قوله :{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّه وَكُنتُمْ أَمْواتًا } الآية ، وكررنا ذلك هنا لبعد ما بين الموضعين . قال الزمخشري : فإن قلت : كيف صح أن يسمي خلقهم أمواتاً إماتة ؟ قلت : كما صح : سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل ، وقولك للحفار ضيق فم ، الركية ووسع أسفلها ، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر ، ولا من صغر إلى كبر ، ولا من ضيق إلى سعة ، ولا من سعة إلى ضيق ، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات . والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معاً على المصنوع الواحد من غير ترجيح لأحدهما ، وكذلك الضيق والسعة ، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين ، وهو متمكن منهما على السواء ، فقد صرف المصنوع إلى الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله منه . انتهى . يعني أن خلقهم أمواتاً ، كأنه نقل من الحياة وهو الجائز الآخر . وظاهر { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } أنه متسبب عن قبولهم . {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } السابقة من إنكار البعث وغيره .{ فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ } : أي سريع أو بطيء من النار ، { مّن سَبِيلٍ } : وهذا سؤال من يئس من الخروج ، ولكنه تعلل وتحير .{ ذالِكُمْ } : الظاهر أن الخطاب للكفار في الآخرة ، والإشارة إلى العذاب الذي هم فيه ، أو إلى مقتهم أنفسهم ، أو إلى المنع من الخروج والزجر والإهانة ، احتمالات . مقوله . وقيل : الخطاب المحاضرين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والضمير في فإنه ضمير الشأن . { إِذَا دُعِىَ اللّه وَحْدَهُ } : أي إذا أفرد بالإلهية ونفيت عن سواه ، { كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ } : أي ذكرت اللات والعزى وأمثالهما من الأصنام ، صدقتم بألوهيتها وسكنت نفوسكم إليها .{ فَالْحُكْمُ } بعذابكم ، {للّه } ، لا لتلك الأصنام التي أشركتموها مع اللّه، { الْعَلِىُّ } عن الشرك ، { الْكَبِيرُ } : العظيم الكبرياء . وقال محمد بن كعب : لأهل النار خمس دعوات ، يكلمهم اللّه في الأربعة ، فإذا كانت الخامسة سكتوا .{ قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } الآية ، وفي إبراهيم :{ رَبَّنَا أَخّرْنَا } الآية ، وفي السجدة :{ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا } الآية ، وفي فاطر :{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا } الآية ، وفي المؤمنون :{ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } الآية ، فراجعهم اخسؤا فيها ولا تكلمون ، قال : فكان آخر كلامهم ذلك . ولما ذكر تعالى ما يوجب التهديد الشديد في حق المشركين ، أردفه بذكر ما يدل على كمال قدرته وحكمته ، ليصير ذلك دليلاً على أنه لا يجوز جعل الأحجار المنحوتة والخشب المعبودة شركاء للّه ، فقال :{ هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْ ءايَاتِهِ } ، أيها الناس ، ويشمل آيات قدرته من الريح السحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها من الأثار العلوية ، وآيات كتابه المشتمل على الأولين والآخرين ، وآيات الإعجاز على أيدي رسله . وهذه الآيات راجعة إلى نور العقل الداعي إلى توحيد اللّه . ثم قال :{ وَيُنَزّلُ لَكُم مّنَ السَّمَاء رِزْقاً } ، وهو المطر الذي هو سبب قوام بنية البدن ، فتلك الآيات للأديان كهذا الرزق للأبدان .{ وَمَا يَتَذَكَّرُ } : أي يتعظ ويعتبر ، وجعله تذكراً لأنه مركوز في العقول دلائل التوحيد ، ثم قد يعرض الاشتغال بعبادة غير اللّه فيمنع من تجلى نور العقل ، فإذا تاب إلى اللّه تذكر . |
﴿ ١٣ ﴾