٧حم الصرصر : الريح الباردة المحرقة ، كما تحرق النار ، قاله الفراء والزجاج ، ويأتي أقوال المفسرين فيه . النحس المشؤوم : نقيض السعد ، قال الشاعر : سواء عليه أي حين أتيته أساعة نحس تتقي أم بأسعد وأنشد الفراء : أبلغ جذاماً ولخماً أن إخوتهم طياً وبهراء قوم نصرهم نحس التقييض : تهيئة الشيء وتيسيره ، وهذان ثوبان قيضان ، إذا كانا متكافئين في الثمن ، وقايضني بهذا الثوب : أي خذه وأعطني به بدله ، والمقايضة : المعارضة . الأكمام ، واحدها كمّ ، قال الزمخشري : بكسر الكاف ، وقال المبرد : هو ما يغطي الثمرة لجف الطلعة ، ومن قال في الجمع أكمه ، فالواحد كمام . الآفاق : النواحي ، واحدها أفق ، قال الشاعر : لو نال حي من الدنيا بمنزلة أفق السماء لنالت كفه الأفقا هذه السورة مكية بلا خلاف ، ومناسبتها لما قبلها ، أنه قال في آخر ما قبلها :{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الاْرْضِ } إلى آخرها ، فضمن وعيداً وتهديداً وتقريعاً لقريش ، فأتبع ذلك التقريع والتوبيخ والتهديد بتوبيخ آخر ، فذكر أنه نزل كتاباً مفصلاً آياته ، بشيراً لمن اتبعه ، ونذيراً لمن أعرض عنه ، وأن أكثر قريش أعرضوا عنه . ثم ذكر قدرة الإله على إيجاد العالم العلوي والسفلي . ثم قال :{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً } ، فكان هذا كله مناسباً لآخر سورة المؤمن من عدم انتفاع مكذبي الرسل حين التبس بهم العذاب ، وكذلك قريش حل بصناديدها من القتل والأسر والنهب والسبي ، واستئصال أعداء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما حل بعاد وثمود من استئصالهم . روي أن عتبة بن ربيعة ذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ليعظم عليه أمر مخالفته لقومه ، وليقبح عليه فيما بينه وبينه ، وليبعد ما جاء به . فلما تكلم عتبة ، قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :{ حم } ، ومر في صدرها حتى انتهى إلى قوله :{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } ، فأرعد الشيخ ووقف شعره ، فأمسك على فم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده ، وناشده بالرحم أن يمسك ، وقال حين فارقه : واللّه لقد سمعت شيئاً ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ، ولقد ظننت أن صاعقة العذاب على رأسي .{ تَنزِيلَ } ، رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا تنزيل عند الفراء ، أو مبتدأ خبره { كِتَابٌ فُصّلَتْ } ، عند الزجاج والحوفي ، وخبر { حم } إذا كانت اسماً للسورة ، وكتاب على قول الزجاج بدل من تنزيل . قيل :أو خبر بعد خبر .{ فُصّلَتْ ءايَاتُهُ } ، قال السدي : بينت آياته ، أي فسرت معانيه ، ففصل بين حرامه وحلاله ، وزجره وأمره ، ووعده ووعيده . وقيل : فصلت في التنزيل : أي لم تنزل جملة واحدة . قال الحسن : بالوعد والوعيد . وقال سفيان : بالثواب والعقاب . وقال ابن زيد : بين محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ومن خالفه . وقيل : فصلت بالمواقف وأنواع ، أو آخر الآي ، ولم يكن يرجع إلى قافية ولا نحوها ، كالشعر والسجع . وقال أبو عبد اللّه الرازي : ميزت آياته ، وجعل تفاصيل معان مختلفة ، فبعضها في وصف ذات اللّه تعالى ، وشرح صفات التنزيه والتقديس ، وشرح كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته ، وعجائب أحوال خلقه السموات والكواكب ، وتعاقب الليل والنهار ، وعجائب أحوال النبات والحيوان والإنسان ؛ وبعضها في أحوال التكاليف المتوجهة نحو القلب ونحو الجوارح ، وبعضها في الوعد والوعيد ، والثواب والعقاب ، ودرجات أهل الجنة ودركات أهل النار ؛ وبعضها في المواعظ والنصائح ؛ وبعضها في تهذيب الأخلاق ورياضة النفس ؛ وبعضها في قصص الأولين وتواريخ الماضين . وبالجملة ، فمن أنصف ، علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم والمباحث المتباينة مثل ما في القرآن . انتهى . وقرىء : فصلت ، بفتح الفاء والصاد مخففة ، أي فرقت بين الحق والباطل ؛ أو فصل بعضها من بعض باختلاف معانيها ، من قوله : { فُصّلَتْ } : أي انفصلت ، وفصل من البلد : أي انفصل منه ، وانتصب { جَعَلْنَاهُ قُرْءاناً } على أنه حال بنفسه ، وهي مؤكدة ، لأنها لا تنتقل ، أو توطئة للحال بعده ، وهي { عَرَبِيّاً } ،أو على المصدر ، أي يقرؤه قرآناً عربياً ، أو على الاختصاص والمدح . ومن جعله حالاً فقيل : ذو الحال آياته ، وقيل : كتاب ، لأنه وصف بقوله :{ فُصّلَتْ ءايَاتُهُ } ،أو على إضمار فعل تقديره : فصلناه قرآناً ، أو مفعول ثان لفصلت ، أقوال ستة آخرها للأخفش . و { لِقَوْمٍ } متعلق بفصلت ، أي يعلمون الأشياء ، ويعقلون الدلائل ، فكأنه فصل لهؤلاء ، إذ هم ينتفعون به فخصوا بالذكر تشريفاً ، ومن لم ينتفع بالتفصيل فكأنه لم يفصل له ويبعد أن يتعلق بتنزيل لكونه وصف في أحد متعلقيه ، إن كان من الرحمن في موضع الصفة ، أو أبدل منه كتاب ، أو كان خبر التنزيل ، فيكون في ذلك البدل من الموصول ، والإخبار عنه قبل أخذه متعلقه ، وهو لا يجوز ، وقيل : لقوم في موضع الصفة لقوله :{ عَرَبِيّاً } ،أي كائناً لقوم يعلمون ألفاظه ويتحققون أنه لم يخرج عن نمط كلامهم ، وكأنه رد على من زعم أن في القرآن ما ليس من كلام العرب . وانتصب { بَشِيراً وَنَذِيراً } على النعت لقرآناً عربياً ، وقيل : حال من آياته . وقرأ زيد بن علي : بشير ونذير برفعهما على الصفة لكتاب ، أو على خبر مبتدأ محذوف ، وبشارته بالجنة لمن آمن ، ونذارته بالنار لمن كفر .{ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ } : أي أكثر أولئك القوم ، أي كانوا من أهل العلم ولكن لم ينظروا النظر التام ، بل أعرضوا ، { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } لإعراضهم عن ما احتوى عليه من الحجج والبراهين ، أو لما لم ينتفع به ولم يقبله جعل كأنه لم يسمعه . ثم أخبر تعالى عنهم بالمقالة الدالة على امتناع قلوبهم ، والناس من رجوعهم إليه ومن سماعهم لما يتلوه ، وهو قوله تعالى ، حكاية عنهم :{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِىءاذانِنَا وَقْرٌ } ، تقدم الكلام على شبه ذلك في الأنعام . وقرأ طلحة : وقر بكسر الواو ، وهذه تمثيلات لامتناع قبول الحق ، كأن قلوبهم في غلاف ، كما قالوا :{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، وكأن أسماعهم عند ذكر كلام اللّه بها صم . والحجاب : الستر المانع من الإجابة ، وهو خلاف في الدين ، لأنه يعبد اللّه وهم يعبدون الأصنام ، قال معناه الفراء وغيره . ويروى أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوباً وقال : يا محمد ، بيننا وبينك حجاب ، استهزاء منه . وقيل : تمثيل بعدم الإجابة . وقيل : عبارة عن العداوة . ومن في { مّمَّا تَدْعُونَا } إليه لابتداء الغاية ، وكذا في { وَمِن بَيْنِنَا} فالمعنى أن الحجاب ابتدأ منا وابتدأ منك ، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب ، لا فراغ فيها ، ولو لم يأت بمن لكان المعنى أن حجاباً حاصل وسط الجهتين ، والمقصود المبالغة بالتباين المفرط ، فلذلك جيء بمن . وقال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : على قلوبنا أكنة ، كما قيل :{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى } ، ليكون الكلام على نمط واحد ؟ قلت : هو على نمط واحد ، لأنه لا فرق في المعنى بين قولك :{ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ } ، والدليل عليه قوله تعالى :{ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} ولو قيل : إنا جعلنا قلوبهم في أكنة ، لم يختلف المعنى ، وترى المطابيع منهم لا يراعون الطباق والملاحظة إلا في المعاني ، وتقول : إن في أبلغ في هذا الموضع من على ، لأنهم قصدوا إفراط عدم القبول ، لحصول قلوبهم في أكنة احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف ، فلا يمكن أن يصل إليها شيء . كما تقول : المال في الكيس ، بخلاف قولك : على المال كيس ، فإنه لا يدل على الحصر ، وعدم الحصول دلالة الوعاء . وأمافي قوله :{ أَنَاْ قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ حم تَنزِيلٌ مّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ ءايَاتُهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِىءاذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } ، قال الكلبي : في هلاكنا إنا عاملون في هلاكك . وقال مقاتل : اعمل لإلهك الذي أرسلك ، فإننا عاملون لآلهتنا التي نعبدها . وقال الفراء : اعمل على مقتضى دينك ، ونحن نعمل على مقتضى ديننا ، وذكر الماوردي : اعمل لآخرتك ، فإنا نعمل لدنيانا . ولما كان القلب محل المعرفة ، والسمع والبصر معينان على تحصيل المعارف ، ذكروا أن هذه الثلاثة محجوبة عن أن يصل إليها مما يلقيه الرسول شيء . واحتمل قولهم : { فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } ،أي تكون متاركة محضة ، وأن يكون استخفافاً .{ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَىَّ } ، وقرأ الجمهور : قل على الأمر ، وابن وثاب والأعمش : قال فعلاً ماضيا ، وهذا صدع بالتوحيد والرسالة . وقرأ النخعي والأعمش : يوحى بكسر الحاء ؛ والجمهور : بفتحها ، وأخبر أنه بشر مثلهم لا ملك ، لكنه أوحى إليه دونهم . وقال الحسن : علمه تعالى التواضع ، وأنه ما أوحى إليه توحيد اللّه ورفض آلهتكم .{ فَاسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ } : أي له بالتوحيد الذي هو رأس الدين والعمل ، { وَاسْتَغْفِرُوهُ } : واسألوه المغفرة ، إذ هي رأس العمل الذي بحصوله تزول التبعات . وضمن استقيموا معنى التوجه ، فلذلك تعدى بإلى ، أي وجهوا استقامتكم إليه ، ولما كان العقل ناطقاً بأن السعادة مربوطة بأمرين : التعظيم للّه والشفقة على خلقه ، ذكر أن الويل والثبور والحزن للمشركين الذين لم يعظموا اللّه في توحيده ، ونفي الشريك ، ولم يشفقوا على خلقه بإيصال الخير إليهم ، وأضافوا إلى ذلك إنكار البعث . والظاهر أن الزكاة على ظاهرها من زكاة الأموال ، قاله ابن السائب ، قال : كانوا يحجون ويعتمرون ولا يزكون . وقال الحسن وقتادة : وقيل : كانت قريش تطعم الحاج وتحرم من آمن منهم . وقال الحسن وقتادة أيضاً : المعنى لا يؤمنون بالزكاة ، ولا يقرون بها . وقال مجاهد والربيع : لا يزكون أعمالهم . وقال ابن عباس والجمهور : الزكاة هنا لا إله إلا اللّه التوحيد ، كما قال موسى عليه السلام لفرعون :{ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى } ، ويرجح هذا التأويل أن الآية من أول المكي ، وزكاة المال إنما نزلت بالمدينة ، قاله ابن عطية ، قال : وإنما هذه زكاة القلب والبدن ، أي تطهير من الشرك والمعاصي ، وقاله مجاهد والربيع . وقال الضحاك ومقاتل : الزكاة هنا النفقة في الطاعة . انتهى . وإذا كانت الزكاة المراد بها إخراج المال ، فإنما قرن بالكفر ، لكونها شاقة بإخراج المال الذي هو محبوب الطباع وشقيق الأرواح حثاً عليها . قال بعض الأدباء : وقالوا شقيق الروح مالك فاحتفظ به فأجبت المال خير من الروح أرى حفظه يفضي بتحسين حالتي وتضييعه يفضي لتسآل مقبوح |
﴿ ٧ ﴾