٢٩

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ } : أي لا تصغوا ، { لِهَاذَا الْقُرْءانِ وَالْغَوْاْ فِيهِ } : إذا تلاه محمد صلى اللّه عليه وسلم. قال أبو العالية : وقعوا فيه وعيبوه . وقال غيره : كان الرسول عليه السلام إذا قرأ في المسجد أصغى إليه الناس من مؤمن وكافر ، فخشي الكفار استمالة القلوب بذلك فقالوا : متى قرأ محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والأرجاز حتى يخفى صوته ، وهذا الفعل هو اللغو .

وقرأ الجمهور والفراء : بفتح الغين مضارع لغى بكسرها ؛ وبكر بن حبيب السهمي كذا في كتاب ابن عطية ، وفي كتاب اللوامح .

وأما في كتاب ابن خالويه ، فعبد اللّه بن بكر السهمي وقتادة وأبو حيوة والزعفراني وابن أبي إسحاق وعيسى : بخلاف عنهما ، بضم الغين مضارع لغى بفتحها ، وهما لغتان ، أي ادخلوا فيه اللغو ، وهو اختلاف القول بما لا فائدة فيه . وقال الأخفش : يقال لغا يلغى بفتح الغين وقياسه الضم ، لكنه فتح لأجل حرف الحلق ، فالقراءة الأولى من يلغى . والثانية من يلغو . وقال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون الفتح من لغى بالشيء يلغى به إذا رمى به ، فيكون فيه بمعنى به ، أي ارموا به وانبذوه .{ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } : أي تطمسون أمره وتميتون ذكره .

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } : وعيد شديد لقريش ، والعذاب الشديد في الدنيا كوقعة بدر وغيرها ، والأسوأ يوم القيامة . أقسم تعالى على الجملتين ، وشمل الذين كفروا القائلين والمخاطبين في قوله :{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ}{ ذالِكَ } : أي جزاؤهم في الآخرة ، فالنار بدل أو خبر مبتدأ محذوف

وجوز أن يكون ذلك خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر ذلك ، وجزاء مبتدأ والنار خبره . { فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } : أي فكيف قيل فيها ؟ والمعنى أنها دار الخلد ، كما

قال تعالى :{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ } ، والرسول نفسه هو الأسوة ، وقال الشاعر : وفي اللّه إن لم ينصفوا حكم عدل}

والمعنى أن اللّه هو الحكم العدل ، ومجاز ذلك أنه قد يجعل الشيء ظرفاً لنفسه ، باعتبار متعلقه على سبيل المبالغة ، كأن ذلك المتعلق صار الشيء مستقراً له ، وهو أبلغ من نسبة ذلك المتعلق إليه على سبيل الإخبارية عنه .

والمعنى أن اللّه هو الحكم العدل ، ومجاز ذلك أنه قد يجعل الشيء ظرفاً لنفسه ، باعتبار متعلقه على سبيل المبالغة ، كأن ذلك المتعلق صار الشيء مستقراً له ، وهو أبلغ من نسبة ذلك المتعلق إليه على سبيل الإخبارية عنه .{ جَزَاء أَعْدَاء اللّه النَّارُ لَهُمْ } ،

قال الزمخشري : إن جزاءهم بما كانوا يلغون فيها ، فذكر الجحود الذي هو سبب اللغو . ولما رأى الكفار عظم ما حل بهم من عذاب النار ، سألوا من اللّه تعالى أن يريهم من كان سبب إغوائهم وإضلالهم . والظاهر أن { اللَّذَيْنِ } يراد بهما الجنس ، أي كل مغو من هذين النوعين ، وعن علي وقتادة : أنهما إبليس وقابيل ، إبليس سن الكفر ، وقابيل سن القتل بغير حق . قيل : وهل يصح هذا القول ؟ عن علي : وقابيل مؤمن عاص ، وإنما طلبوا المضلين بالكفر المؤدي إلى الخلود ، وقد أصلح هذا القول بأن قال : طلب قابيل كل عاص من أهل الكبائر ، وطلب إبليس كل كافر ، ولفظ الآية ينبو عن هذا القول وعن إصلاحه ، وتقدم الخلاف في قراءة { أَرِنَا } في قوله :{ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا سَكَناً}

وقال الزمخشري : حكوا عن الخليل أنك إذا

قلت : أرني ثوبك بالكسر ،

فالمعنى : بصرنيه ، وإذا قلته بالسكون ، فهو استعطاء معناه : أعطني ثوبك ؛ ونظيره اشتهار الإيتاء في معنى الإعطاء ، وأصله الإحضار . انتهى .{ نجعلهما تحت أقدامنا } : يريدون في أسفل طبقة من النار ، وهي أشد عذاباً ، وهي درك المنافقين . وتشديد النون في اللذين واللتين وهذين وهاتين حالة كونهما بالياء لا تجيزه البصريون ، والقراءة بذلك في السبعة حجة عليهم .

﴿ ٢٩