٣٠

قال ابن عباس : نزلت في الصديق ، قال المشركون : ربنا اللّه ، والملائكة بناته ، وهؤلاء شفعاؤنا عنده . واليهود : ربنا اللّه ، والعزير ابنه ، ومحمد ليس بنبي ، فلم يستقيما ، والصديق قال : ربنا اللّه وحده لا شريك له ، ومحمد عبده ورسوله ، فاستقام . ولما أطنب تعالى في وعيد الكفار ، أردفه بوعيد المؤمنين ؛ وليس المراد التلفظ بالقول فقط ، بل لا بد من الإعتقاد المطابق للقول اللساني . وبدأ أولاً بالذي هو أمكن في الإسلام ، وهو العلم بربوبية اللّه ، ثم أتبعه بالعمل الصالح ، وهو

الاستقامة . وعن سفيان بن عبد اللّه الثقفي ، قلت للنبي / صلى اللّه عليه وسلم : أخبرني بأمر أعتصم به ، قال :  { قل ربي اللّه ثم استقم }

قلت : ما أخوف ما تخاف علي ، فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلسان نفسه وقال :  { هذا } وعن الصديق : ثم استقاموا على التوحيد ، لم يضطرب إيمانهم . وعن عمر : استقاموا للّه بطاعته لم يرو غوار وغان الثعالب . وعن عثمان : أخلصوا العمل . وعن علي : أدوا الفرائض . وقال أبو العالية ، والسدي : استقاموا على الإخلاص والعمل إلى الموت . وقال الثوري : عملوا على وفاق ما قالوا . وقال الفضل : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية . وقال الربيع : أعرضوا عن ما سوى اللّه تعالى .

وقيل : استقاموا فعلا كما استقاموا قولاً . وعن الحسن وقتادة وجماعة : استقاموا بالطاعات واجتناب المعاصي .

قال الزمخشري : وثم لتراخي الاستقامة عن الإقرار في المرتبة وفضلها عليه ، لأن الاستقامة لها الشأن كله ، ونحوه قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِاللّه وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } ، والمعنى : ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته . وعن الصديق رضي اللّه عنه أنه تلاها ثم قال : ما تقولون فيها ؟ قالوا : لم يذنبوا ، قال : حملتم الأمر على أشده ، قالوا : فما تقول ؟ قال لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان . انتهى .

{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةُ } ، قال مجاهد والسدي : عند الموت . وقال مقاتل : عند البعث .

وقيل : عند الموت ، وفي القبر ، وعند البعث . وأن ناصبة للمضارع ، أي بانتفاء خوفكم وحزنكم ، قال معناه الحوفي وأبو البقاء .

وقال الزمخشري : بمعنى أيأو المخففة من الثقيلة ، وأصله بأنه لا تخافوا ، والهاء ضمير الشأن . انتهى . وعلى هذين التقديرين يكون الفعل مجزوماً بلا الناهية ، وهذه آية عامة في كل هم مستأنف وتسلية تامة عن كل فائت ماض ، ولذلك قال مجاهد : لا تخافوا ما تقدرون عليه ، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم . وقال عطاء بن أبي رباح :{ لا تَخَافُواْ } رد ثوابكم ، فإنه مقبول ؛{ وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ذنوبكم ، فإني أغفرها لكم . وفي قراءة عبد اللّه : لا تخافوا ، بإسقاط أن ، أي تتنزل عليهم الملائكة قائلين : لا تخافوا ولا تحزنوا . ولما كان الخوف مما يتوقع من المكروه أعظم من الحزن على الفائت قدمه ، ثم لما وقع الأمن لهم ، بشروا بما يؤولون إليه من دخول الجنة ، فحصل لهم من الأمن التام والسرور العظيم بما سيفعلون من الخير .

﴿ ٣٠