١٢

{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْء } : هذا حكاية لقول الرسول ، أي ما اختلفتم فيه أيها الناس من تكذيب أو تصديق وإيمان وكفر وغير ذلك ، فالحكم فيه والمجازاة عليه ليس ذلك إلا إلى اللّه ، لا إليّ ، ولفظة من شيء تدل على العموم .

وقيل : من شيء من الخصومات ، فتحاكموا فيه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ولا تؤثروا على حكومته حكومة غيره ، كقوله :{ وَأَنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه وَالرَّسُولِ}

وقيل :{ مِن شَىْء } : من تأويل آية واشتبه عليكم ، فارجعوا في بيانه إلى آي المحكم من كتاب اللّه ، والظاهر من سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقيل : ما وقع منكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بتكليفكم ، ولا طريق لكم إلى علمه ، فقولوا : اللّه أعلم ، كمعرفة الروح .

وقال الزمخشري : أي ما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمور الدين ، فحكم ذلك المختلف فيه مفوض إلى اللّه ، وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاتبة المبطلين .{ ذالِكُمْ } : الحكم بينكم هو { رَبّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في رد كيد أعداء الدين ، وإليه أرجع في كفاية شرهم . انتهى .

وقرأ الجمهور :{ فَاطِرَ } بالرفع ، أي هو فاطر ، أو خبر بعد خبر كقوله :{ ذالِكُمْ}

وقرأ زيد بن عليّ : فاطر بالجر ، صفة لقوله :{ إِلَى للّه } ، والجملة بعدها اعتراض بين الصفة والموصوف .

{جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ } : أي من جنس أنفسكم ، أي آدميات ، { أَزْواجاً } : إناثاً ، أو جعل الخلق لأبينا آدم من ضلعه حواء زوجاً له خلقاً لنا ، { وَمِنَ الاْنْعَامِ أَزْواجاً } : أي أنواعاً كثيرة ، ذكوراً وإناثاً ، أو أزواجاً إناثاً .{ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } ، قال ابن عباس : أي يجعل لكم فيه معيشية تعيشون بها . وقال ابن زيد : يرزقكم فيه ، وهو قريب من القول قبله . وقال مجاهد : يخلقكم في بطون الإناث . وقال ابن زيد أيضاً : ى ذرأكم فيما خلق من السموات والأرض . وقال الزجاج : يكثركم به ، أي فيه ، أي يكثركم في خلقكم أزواجاً . وقال عليّ بن سليمان : ينقلكم من حال إلى حال . و

قال ابن عطية : الضمير في فيه للحعل ، أي يخلقكم ويكثركم في الجعل ، كما تقول : كلمت زيداً كلاماً أكرمته فيه ، قال : ولفظة ذرأ تزيد على لفظة خلق معنى آخر ليس في خلق ، وهو توالي الطبقات على مر الزمان .

وقال الزمخشري :{ يَذْرَؤُكُمْ } : يكثركم ، يقال ذرأ اللّه الخلق : بثهم وكثرهم ، والذرء والذروء والذرواء أخوات في هذا التدبير ، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل . والضمير في يذرؤكم يرجع إلى المخاطبين والأنعام ، مغلباً فيه المخاطبون العقلاء على الغيه مما لا يعقل ، وهي من الأحكام ذات العلتين . انتهى . وقوله : وهي من الأحكام ذات العلتين ، اصطلاح غريب ، ويعني أن الخطاب يغلب على الغيبة إذا اجتمعا فتقول : أنت وزيد تقومان ؛ والعاقل يغلب على غير العاقل إذا اجتمعا ، فتقول : الحيوان وغيرهم يسبحون خالقهم .

قال الزمخشري ؛

فإن قلت : ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير ؟ وهلا قيل : يذرؤكم به ؟

قلت : جعل هذا التدبيه كالمنبع والمعدن للبث والتكثير . ألا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج تكثير ؟ كما

قال تعالى :{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَواةٌ } انتهى .{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } ، تقول العرب : مثلك لا يفعل كذا ، يريدون به المخاطب ، كأنهم إذا نفوا الوصف عن مثل الشخص كان نفياً عن الشخص ، وهو من باب المبالغة ، ومثل الآية قول أوس بن حجر : ليس كمثل الفتى زهير

خلق يوازيه في الفضائل

وقال آخر :

وقتلى كمثل جذوع النخيل تغشاهم مسبل منهمر سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم

ما إن كمثلهم في الناس من أحد

فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء . وما ذهب إليه الطبري وغيره من أن مثلاً زائدة للتوكيد كالكاف في قوله :

فأصبحت مثل كعصف مأكول

وقوله :

وصاليات ككما يؤثفين

ليس بجيد ، لأن مثلاً اسم ، والأسماء لا تزاد ، بخلاف الكاف ، فإنها حرف ، فتصلح للزيادة . ونظير نسبة المثل إلى من لا مثل له قولك : فلان يده مبسوطة ، يريد أنه جواد ، ولا نظير له في الحقيقة إلى اليد حتى تقول ذلك لمن لا يد له ، كقوله : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} فكما جعلت ذلك كناية عن الجواد فيمن لا يد له ، فكذلك جعلت المثل كناية عن الذوات في من لا مثل له . ويحتمل أيضاً أن يراد بالمثل الصفة ، وذلك سائغ ، يطلق المثل بمعنى المثل وهو الصفة ، فيكون المعنى : ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره ، وهذا محمل سهل ، والوجه الأول أغوص . قال ابن قتيبة : العرب تقيم المثال مقام النفس ، فيقول : مثلي لا يقال له هذا ، أي أنا لا يقال لي هذا . انتهى . فقد صار ذلك كناية عن الذات ، فلا فرق بين قولك : ليس كاللّه شيء ، أو ليس كمثل اللّه شيء . وقد أجمع المفسرون على أن الكاف والمثل يراد بهما موضوعهما الحقيقي من أن كلاً منهما يراد به التشبيه ، وذلك محال ، لأن فيه إثبات مثل للّه تعالى ، وهو محال .{ وَهُوَ السَّمِيعُ } لأقوال الخلق ، { البَصِيرُ } لأعمالهم . وتقدم تفسير :{ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } في سورة الزمر ؛ وقرىء :{ وَيَقْدِرُ } : أي يضيق .{ إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } : أي يوسع لمن يشاء ، ويضيق على من يشاء .

وقال الزمخشري : فإذا علم أن الغنى خير للعبد أغناه لا أفقره . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال .

﴿ ١٢