١٣

ولئن سألتهم من . . . . .

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } : احتجاج على قريش بما يوجب التناقض ، وهو إقرارهم بأن موجد العالم العلوي والسفلي هو اللّه ، ثم هم يتخذون أصناماً آلهة من دون اللّه يعبدونهم ويعظمونهم .

قال ابن عطية : ومقتضى الجواب أن يقولوا خلقهن اللّه ،

١٣

الذي جعل لكم . . . . .

فلما ذكر تعالى المعنى ، جاءت العبارة عن اللّه تعالى بالعزيز العليم ، ليكون ذلك توطئة لما عدد من أوصافه الذي ابتدأ الإخبار بها ، وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش . انتهى .

وقال الزمخشري : لينسبن خلقها إلى الذي هذه أوصافه ، وليسندنه إليه . انتهى . والظاهر أن : { خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } نفس المحكى من كلامهم ، ولا يدل كونهم ذكروا في مكان خلقهن اللّه ، أن لا يقولوا في سؤال آخر :{ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}

و { الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ } : من كلام اللّه ، خطاباً لهم بتذكير نعمه السابقة . وكرر الفعل في الجواب في قوله :{ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } ، مبالغة في التوكيد . وفي غير ما سؤال ، اقتصروا على ذكر اسم اللّه ، إذ هو العلم الجامع للصفات العلا ، وجاء الجواب مطابقاً للسؤال من حيث المعنى ، لا من حيث اللفظ ، لأن من مبتدأ . فلو طابق في اللفظ ، كان بالاسم مبتدأ ، ولم يكن بالفعل .{ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } : أي إلى مقاصدكم في السفر ، أو تهتدون بالنظر والاعتبار . بقدر : أي بقضاء وحتم في الأزل ، أو بكفاية ، لا كثيراً فيفسد ، ولا قليلاً فلا يجدي .{ فَأَنشَرْنَا } : أحيينا به .{ بَلْدَةً مَّيْتاً } : ذكر على معنى القطر ، وبلدة اسم جنس .

وقرأ أبو جعفر وعيسى : ميتاً بالتشديد .

وقرأ الجمهور : تخرجون : مبنياً للمفعول ؛ وابن وثاب ، وعبد اللّه بن جبير المصبح ، وعيسى ، وابن عامر ، والإخوان : مبنياً للفاعل . و { الاْزْواجَ } : الأنواع من كل شيء . قيل : وكل ما سوى اللّه فهو زوج ، كفوق ، وتحت ، ويمين ، وشمال ، وقدام ، وخلف ، وماض ، ومستقبل ، وذوات ، وصفات ، وصيف ، وشتاء ، وربيع ، وخريف ؛ وكونها أزواجاً تدل على أنها ممكنة الوجود ، ويدل على أن محدثها فرد ، وهو اللّه المنزه عن الضد والمقابل

والمعارض . انتهى .

{وَالاْنْعَامُ } : المعهود أنه لا يركب من الأنعام إلا الإبل . ما : موصولة والعائد محذوف ، أي ما يركبونه . وركب بالنسبة للعلل ، ويتعدى بنفسه على المتعدي بوساطة في ، إذ التقدير ما يركبونه . واللام في لتستووا : الظاهر أنها لام كي . وقال الحوفي : ومن أثبت لام الصيرورة جاز له أن يقول به هنا . و

قال ابن عطية : لام الأمر ، وفيه بعد من حيث استعمال أمر المخاطب بتاء الخطاب ، وهو من القلة بحيث ينبغي أن لا يقاس عليه . فالفصيح المستعمل : اضرب ،

وقيل : لتضرب ، بل نص النحويون على أنها لغة رديئة قليلة ، إذ لا تكاد تحفظ إلا قراءة شاذة ؛ فبذلك فلتفرحوا بالتاء للخطاب . وما آثر المحدثون من قوله عليه الصلاة والسلام : لتأخذوا مصافاكم ، مع احتمال أن الراوي روى بالمعنى ، وقول الشاعر : لتقم أنت يا ابن خير قريش

كي تقضي حوائج المسلمينا

وزعم الزجاج أنها لغة جيدة ، وذلك خلاف ما زعم النحويون . والضمير في ظهوره عائد على ما ، كأنه قال : على ظهور ما تركبون ، قاله أبو عبيدة ؛ فلذلك حسن الجمع ، لأن مآلها لفظ ومعنى . فمن جمع ، فباعتبار المعنى ؛ ومن أفرد فباعتبار اللفظ ، ويعني :{ مّنَ الْفُلْكِ وَالاْنْعَامِ} وقال الفراء نحواً منه ، قال : أضاف الظهور ، { ثُمَّ تَذْكُرُواْ } ،أي في قلوبكم ، { نِعْمَةَ رَبّكُمْ } ، معترفين بها مستعظمين لها . لا يريد الذكر باللسان بل بالقلب ، ولذلك قابله بقوله :{ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَاذَا } ،أي تنزهوا اللّه بصريح القول . وجاء في الحديث : { أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا وضع رجله في الركاب قال : بسم اللّه ، فإذا استوى على الدابة قال : الحمد للّه على كل حال ، سبحان الذي سخر لنا هذا ، إلى قوله المنقلبون ، وكبر ثلاثاً وهلل ثلاثاً ، وقالوا : إذا ركب في السفينة قال : { بِسْمِ اللّه مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } إلى رحيم ، ويقال عند النزول منها : اللّهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين} . والقرن : الغالب الضابط المطيق للشيء ، يقال : أقرن الشيء ، إذا أطاقه . قال ابن هرمة : وأقرنت ما حملتني ولقلما

يطاق احتمال الصديا دعد الهجر

وحقيقة أقرنه : وجده ، قرينته وما يقرن به : لأن الصعب لا يكون قرينة للضعف . قال الشاعر : وابن اللبون إذا ما لذ في قرن

لم يستطع صولة البذل القناعيس

والقرن : الحبل الذي يقرن به . وقال أبو عبيد : فلان مقرن لفلان ، أي ضابط له ، والمعنى : أنه ليس لنا من القوة ما نضبط به الدابة والفلك ، وإنما اللّه الذي سخرها . وأنشد قطرب لعمرو بن معد يكرب : لقد علم القبائل ما عقيل

لنا في النائبات بمقرنينا

وقرىء : لمقترنين ، اسم فاعل من اقترن .

﴿ ١٣