٥

واختلاف الليل والنهار . . . . .

{وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } : تقدم الكلام على نظيره في سورة البقرة .

وقرأ الجمهور : آيات ، جمعاً بالرفع فيهما ؛ والأعمش ، والجحدري ، وحمزة ، والكسائي ، ويعقوب : بالنصب فيهما ؛ وزيد بن علي ؛ برفعهما على التوحيد .

وقرأ أبي ، وعبد اللّه : لآيات فيهما ، كالأولى . فأما :{ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تَلْكَ } رفعاً ونصباً ، فاستدل به وشبهه مما جاء في كلام الأخفش ، ومن أخذ بمذهبه على عطف معمولي عاملين بالواو ، وهي مسألة فيها أربعة مذاهب ، ذكرناها في } كتاب التذييل والتكميل لشرح التسهيل} . فأما ما يخص هذه الآية ، فمن نصب آيات بالواو عطفت ، واختلاف على المجرور بفي قبله وهو :{ وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ } ، وعطف آيات على آيات ، ومن رفع فكذلك ، والعاملان أولاهما إن وفي ، وثانيهما الابتداء وفي .

وقال الزمخشري : أقيمت الواو مقامهما ، فعملت الجر ، واختلاف الليل والنهار والنصب في آيات ، وإذا رفعت والعاملان الابتداء ، وفي عملت الرفع للواو ليس بصحيح ، لأن الصحيح من المذاهب أن حرف العطف لا يعمل ؛ ومن منع العطف على مذهب الأخفش ، أضمر حرف الجر فقدر . وفي اختلاف ، فالعمل للحرف مضمراً ، ونابت الواو مناب عامل واحد ؛ ويدل على أن في مقدرة قراءة عبد اللّه : وفي اختلاف ، مصرحاً وحسن حذف في تقدمها في قوله :{ وَفِى خَلْقِكُمْ } ؛ وخرج أيضاً النصب في آيات على التوكيد لآيات المتقدمة ، ولإضمار حرف في وقرىء واختلاف بالرفع على خبر مبتدأ محذوف ، أي هي آيات ولإضمار حرف أيضاً .

وقرأ : واختلاف الليل والنهار آية بالرفع في اختلاف ، وفي آية موحدة ؛ وكذلك { وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ}

وقرأ زيد بن علي ، وطلحة ، وعيسى :{ وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ}

وقال الزمخشري : والمعنى أن المنصفين من العباد ، إذا نظروا في السموات والأرض النظر الصحيح ، علموا أنها مصنوعة ، وأنه لا بد لها من صانع ، فآمنوا باللّه وأقروا . فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وهيئة إلى هيئة ، في خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان ، ازدادوا إيماناً وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس . فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت ، كاختلاف الليل والنهار ، ونزول الأمطار ، وحياة الأرض بها بعد موتها ، وتصريف الرياح جنوباً وشمالاً وقبولاً ودبوراً ، عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم . وقال أبو عبد اللّه الرازي : ذكر في البقرة ثمانية دلائل ، وهنا ستة ؛ لم يذكر الفلك والسحاب ، والسبب في ذلك أن مدار الحركة للفلك والسحاب على الرياح المختلفة ، فذكر الرياح ؛ وهناك جعل مقطع الثمانية واحداً ، وهنا رتبها على مقاطع ثلاثة : يؤمنون ، يوقنون ، يعقلون .

قال : وأظن سبب هذا الترتيب : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ، فافهموا هذه الدلائل ؛ فإن لم تكونوا مؤمنين ولا موقنين ، فلا أقل أن تكونوا من العاقلين ، فاجتهدوا . وقال هناك :{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ } ، وهنا :{ فِي السَّمَاوَاتِ } ، فدل على أن الخلق غير المخلوق ، وهو الصحيح عند أصحابنا ، ولا تفارق بين أن يقال : في السموات ، وفي خلق السموات . انتهى ، وفيه تلخيص وتقدم وتأخير .

﴿ ٥