١١

ويل لكل أفاك . . . . .

{وَيْلٌ لّكُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } ،قيل : نزلت في أبي جهل ؛

وقيل : في النضير بن الحارث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن . والآية عامة فيمن كان مضاراً لدين اللّه ؛ وأفاك أثيم ، صفتا مبالغة ؛ وألفاظ هذه الآية تقدم الكلام عليها .

وقرأ الجمهور : علم ؛ وقتادة ومطر الوراق : بضم العين وشد اللام ؛ مبنياً للمفعول ، أي عرف .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : ما معنى : ثم ، في قوله :{ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } ؟

قلت : كمعناه في قول القائل :

يرى غمرات الموت ثم يزورها

وذلك بأن غمرات الموت حقيقة بأن ينجو رائبها بنفسه ويطلب الفرار منها ،

وأما زيارتها والإقدام على مزاولتها ، فأمر مستبعد . فمعنى ثم : الإيذان بأن فعل المقدم عليها ، بعدما رآها وعاينها ، شيء يستبعد في العادة والطباع ، وكذلك آيات اللّه الواضحة القاطعة بالحق ، من تليت عليه وسمعها ، كان مستبعداً في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها .{ اتَّخَذَهَا هُزُواً } ، ولم يقل : اتخذه ، إشعاراً بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها اللّه على محمد صلى اللّه عليه وسلم ، خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ، ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه .

وقال الزمخشري : ويحتمل { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءايَاتِنَا شَيْئاً } ، يمكن أن يتشبث به المعاند ويجعله محملاً يتسلق به على الطعن والغميزة ، افترضه واتخذ آيات اللّه هزواً

وذلك نحو افترص ابن الزبعري قوله عز وجل : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه حَصَبُ جَهَنَّمَ } ، ومغالطته رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقوله : خصمتك ؛ ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء ، لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية : نفسي بشيء من الدنيا معلقة

اللّه والقائم المهدي يكفيها

حيث أراد عتبة . انتهى . وعتبة جارية كان أبو العتاهية يهواها وينتسب بها . والإشارة بأولئك إلى كل أفاك ، لشموله الأفاكين . حمل أولاً على لفظ كل ، وأفرد على المعنى فجمع ، كقوله :{ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}{ مّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ } : أي من قدامهم ، والوراء : ما توارى من خلف وأمام .{ وَلاَ يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً } من الأموال في متاجرهم ، { وَلاَ مَا اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللّه } من الأوثان .{ هَاذَا } ،أي القرآن ، { هُدًى } ،أي بالغ في الهداية ، كقولك : هذا رجل ، أي كامل في الرجولية . قرأ طلحة ، وابن محيصن ، وأهل مكة ، وابن كثير ، وحفص :{ أَلِيمٌ } ، بالرفع نعتاً لعذاب ؛ والحسن ، وأبو جعفر ، وشيبة ، وعيسى ، والأعمش ، وباقي السبعة : بالجر نعتاً لرجز .

﴿ ١١