١٠قل ما كنت . . . . . {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرُّسُلِ } : أي جاء قبلي غيري ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والبدع والبديع : من الأشياء ما لم ير مثله ، ومنه قول عدي بن زيد ، أنشده قطرب : فما أنا بدع من حوادث تعتري رجالاً عرت من بعد بؤسي فأسعد والبدع والبديع : كالخف والخفيف ، والبدعة : ما اخترع مما لم يكن موجوداً ، وأبدع الشاعر : جاء بالبديع ، وشيء بدع ، بالكسر : أي مبتدع ، وفلان بدع في هذا الأمر : أي بديع ، وقوم إبداع ، عن الأخفش . وقرأ عكرمة ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة : بفتح الدال ، جمع بدعة ، وهو على حذف مضاف ، أي ذا بدع . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون صفة على فعل ، كقولهم : دين قيم ولحم زيم . انتهى . وهذا الذي أجازه ، إن لم ينقل استعماله عن العرب ، لم نجزه ، لأن فعل في الصفات لم يحفظ منه سيبويه إلا عدى . قال سيبويه : ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع ، وهو قوم عدي ، وقد استدرك ، واستدراكه صحيح . وأما قيم ، فأصله قيام وقيم ، مقصور منه ، ولذلك اعتلت الواو فيه ، إذ لو لم يكن مقصوراً لصحت ، كما صحت في حول وعوض . وأما قول العرب : مكان سوى ، وماء روى ، ورجل رضى ، وماء صرى ، وسبى طيبه ، فمتأولة عند البصريين لا يثبتون بها فعلاً في الصفات . وعن مجاهد ، وأبي حيوة : بدعا ، بفتح الباء وكسر الدال ، كحذر . . {وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ } : أي فيما يستقبل من الزمان ، أي لا أعلم مالي بالغيب ، فأفعاله تعالى ، وما يقدر لي ولكم من قضاياه ، لا أعلمها . وعن الحسن وجماعة : وما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا ، ومن الغالب منا والمغلوب ؟ وعن الكلبي ، قال له أصحابه ، وقد ضجروا من أذى المشركين : حتى متى نكون على هذا ؟ فقال : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أأنزل بمكة ؟ أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت ورأيتها ، يعني فى منامه ، ذات نخل وشجر ؟ وقال ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وقتادة ، والحسن ، وعكرمة : معناه في الآخرة ، وكان هذا في صدر الإسلام ، ثم بعد ذلك عرفه اللّه تعالى أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأن المؤمنين لهم من اللّه فضل كبير وهو الجنة ، وبأن الكافرين في نار جهنم ؛ وهذا القول ليس بظاهر ، بل قد أعلم سبحانه من أول الرسالة حال الكافر وحال المؤمن . وقيل : { مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ } من الأوامر والنواهي ، وما يلزم الشريعة . وقيل : نزلت في أمر كان النبي صلى اللّه عليه وسلم ينتظره من اللّه في غير الثواب والعقاب . {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ } : استسلام وتبرؤ من علم المغيبات ، ووقوف مع النذارة إلا من عذاب اللّه . وقرأ الجمهور : ما يفعل بضم الياء مبنياً للمفعول ؛ وزيد بن عليّ ، وابن أبي عبلة : بفتحها . والظاهر أن ما استفهامية ، وأدري معلقة ؛ فجملة الاستفهام موصولة منصوبة . انتهى . والفصيح المشهور أن دَرَى يتعدى بالباء ، ولذلك حين عدي بهمزة النقل يتعدى بالباء ، نحو قوله :{ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ } ، فجعل ما استفهامية هو الأولى والأجود ، وكثيراً ما علقت في القرآن نحو :{ وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ } ، ويفعل مثبت غير منفي ، لكنه قد انسحب عليه النفي ، لاشتماله على ما ويفعل ؛ فلذلك قال :{ وَلاَ بِكُمْ} ولولا اعتبار النفي ، لكان التركيب { مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ} ألا ترى زيادة من في قوله :{ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ } ؟ لانسحاب قوله :{ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } على يود وعلى متعلق يود ، وهو أن ينزل ، فاذا انتفت ودادة التنزيل انتفى التنزيل . وقرأ ابن عمير : ما يوحي ، بكسر الحاء ، أي اللّه عز وجل . {قُلْ أَرَءيْتُمْ } : مفعولاً أرأيتم محذوفان لدلالة المعنى عليهما ، والتقدير : أرأيتم حالكم إن كان كذا ؟ ألستم ظالمين ؟ فالأول حالكم ، والثاني ألستم ظالمين ، وجواب الشرط محذوف ؛ أي فقد ظلمتم ، ولذلك جاء فعل الشرط ماضياً . وقال الزمخشري : جواب الشرط محذوف تقديره : إن كان هذا القرآن من عند اللّه وكفرتم به ، ألستم ظالمين ؟ ويدل على هذا المحذوف قوله :{ إِنَّ اللّه لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} انتهى . وجملة الاستفهام لا تكون جواباً للشرط إلا بالفاء . فإن كانت الأداة الهمزة ، تقدمت الفاء نحو : إن تزرنا ، أفما نحسن إليك ؟ أو غيرها تقدمت الفاء نحو : إن تزرنا ، فهل ترى إلا خيراً ؟ فقول الزمخشري : ألستم ظالمين ؟ بغير فاء ، لا يجوز أن يكون جواب الشرط . و قال ابن عطية : وأرأيتم يحتمل أن تكون منبهة ، فهي لفظ موضوع للسؤال لا يقتضي مفعولاً . ويحتمل أن تكون الجملة : كان وما عملت فيه ، تسد مسد مفعوليها . انتهى . وهذا خلاف ما قرره محققو النحاة في أرأيتم . وقيل : جواب الشرط . {قُلْ أَرَءيْتُمْ } : أي فقد آمن محمد به ، أو الشاهد ، واستكبرتم أنتم عن الإيمان . وقال الحسن : تقديره فمن أضل منكم . وقيل : فمن المحق منا ومنكم ، ومن المبطل ؟ وقيل : إنما تهلكون ، والضمير في به عائد على ما عاد عليه اسم كان ، وهو القرآن . وقال الشعبي : يعود على الرسول ، والشاهد عبد للّه بن سلام ، قاله الجمهور ، وابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن سيرين ؛ والآية مدنية . وعن عبد اللّه بن سلام : نزلت في آيات من كتاب اللّه ، نزلت في { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْراءيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَئَامَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} وقال مسروق : الشاهد موسى عليه السلام ، لا ابن سلام ، لأنه أسلم بالمدينة ، والسورة مكية ، والخطاب في { وَكَفَرْتُمْ بِهِ } لقريش . وقال الشعبي : الشاهد من آمن من بني إسرائيل بموسى والتوارة ، لأن ابن سلام أسلم قبل وفاة النبي صلى اللّه عليه وسلم بعامين ، والسورة مكية . وقال سعد بن أبي وقاص ، ومجاهد ، وفرقة : الآية مكية ، والشاهد عبد اللّه بن سلام ، وهي من الآيات التي تضمنت غيباً أبرزه الوجود ، وعبد اللّه بن سلام مذكور في الصحيح ، وفيه بهت لليهود لعنهم اللّه . ومن كذب اليهود وجهلهم بالتاريخ ، ما يعتقدونه في عبد اللّه بن سلام ، أنه صلى اللّه عليه وسلم حين سافر إلى الشام في تجارة لخديجة رضي اللّه عنها ، اجتمع بأحبار اليهود وقص عليهم أحلامه ، فعلموا أنه صاحب دولة ، وعموا ، فأصحبوه عبد اللّه بن سلام ، فقرأ علوم التوراة وفقهها مدة ، زعموا وأفرطوا في كذبهم ، إلى أن نسبوا الفصاحة المعجزة التي في القرآن إلى تأليف عبد اللّه بن سلام ، وعبد اللّه هذا لم تعلم له إقامة بمكة ولا تردد إليها . فما أكذب اليهود وأبهتهم لعنهم اللّه . وناهيك من طائفة ، ما ذم في القرآن طائفة مثلها . {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَاذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} |
﴿ ١٠ ﴾