١٢

وقال الذين كفروا . . . . .

قال قتادة : هي مقالة كفار قريش للذين آمنوا : أي لأجل الذين آمنوا : واللام للتبليغ . ثم انتقلوا إلى الغيبة في قولهم : { مَّا سَبَقُونَا } ، ولو لم ينتقلوا لكان الكلام ما سبقتم إليه . ولما سمعوا أن جماعة آمنوا خاطبوا جماعة من المؤمنين ، أي قالوا :{ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } : أولئك الذين بلغنا إيمانهم يريدون عماراً وصهيباً وبلالاً ونحوهم ممن أسلم وآمن بالنبي صلى اللّه عليه وسلم. وقال الكلبي والزجاج : هي مقالة كنانة وعامر وسائر قبائل العرب المجاورة . قالت ذلك حين أسلمت غفار ومزينة وجهينة ، أي لو كان هذا الدين خيراً ، ما سبقنا إليه الرعاة . وقال الثعلبي : هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وغيره منهم . وقال أبو المتوكل : أسلم أبو ذر ، ثم أسلمت غفار ، فقالت قريش ذلك .

وقيل : أسلمت أمة لعمر ، فكان يضربها ، حتى يفتر ويقول : لولا أني فترت لزدتك ضرباً فقال كفار قريش : لو كان ما يدعو إليه محمد حقاً ، ما سبقتنا إليه فلانة . والظاهر أن اسم كان هو القرآن ، وعليه يعود به ويؤيده ، ومن قبله كتاب موسى .

وقيل : به عائد على الرسول ، والعامل في إذ محذوف ، أي { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } ، ظهر عنادهم . وقوله :{ فَسَيَقُولُونَ } ، مسبب عن ذلك الجواب المحذوف ، لأن هذا القول هو ناشىء عن العناد ، ويمتنع أن يعمل في : إذ فسيقولون ، لحيلولة الفاء ، وليعاند زمان إذ وزمان سيقولون .{ إِفْكٌ قَدِيمٌ } ، كما قالوا :{ أَسَاطِيرُ الاْوَّلِينَ } ، وقدمه بمرور الأعصار عليه .

ولما طعنوا في صحة القرآن ، قيل لهم : إنه أنزل اللّه من قبله التوراة على موسى ، وأنتم لا تنازعون في ذلك ، فلا ينازع في إنزال القرآن .{ إِمَاماً } أي يهتدى به ، إن فيه البشارة بمبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإرساله ، فليزم اتباعه والإيمان به ؛ وانتصب إماماً على الحال ، والعامل فيه العامل في :{ وَمِن قَبْلِهِ } ،أي وكتاب موسى كان من قبل القرآن في حال كونه إماماً .

وقرأ الكلبي : كتاب موسى ، نصب وفتح ميم من على أنها موصولة ، تقديره : وآتينا الذي قبله كتاب موسى .

وقيل : انتصب إماماً بمحذوف ، أي أنزلناه إماماً ، أي قدوة يؤتم به ، { وَرَحْمَةً } لمن عمل به ؛ وهذا إشارة إلى القرآن .{ كِتَابٌ مُّصَدّقٌ } له ، أي لكتاب موسى ، وهي التوراة التي تضمنت خبره وخبر من جاء به ، وهو الرسول . فجاء هو مصدقاً لتلك الأخبار ، أو مصدقاً للكتب الإلهية . ولساناً : حال من الضمير في مصدق ، والعامل فيه مصدق ، أو من كتاب ، إذ قد وصف العامل فيه اسم الإشارة . أو لساناً : حال موطئة ، والحال في الحقيقة هو عربياً ، أو على حذف ، أي ذا الشأن عربي ، فيكون مفعولاً بمصدق ؛ أي هذا القرآن مصدق من جاء به وهو الرسول ،

وذلك بإعجازه وأحواله البارعة .

وقيل : انتصب على إسقاط الخافص ، أي بلسان عربي .

وقرأ أبو رجاء ، وشيبة ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وابن عامر ، ونافع ، وابن كثير : لتنذر ، بتاء الخطاب للرسول ؛ والأعمش ، وابن كثيراً أيضاً ، وباقي السبعة : بياء الغيبة ، أي لينذرنا القرآن والذين ظلموا الكفار عباد الأصنام ، حيث وضعوا العبادة في غير من يستحقه .

{وَبُشْرَى } ،قيل : معطوف على مصدق ، فهو في موضع رفع ، أو على إضمار هو .

وقيل : منصوب بفعل محذوف معطوف على لينذر ، أي ويبشر بشرى .

وقيل : منصوب على إسقاط الخافض ، أي ولبشرى .

وقال الزمخشري ، وتبعه أبو البقاء : وبشرى في محل النصب ، معطوف على محل لينذر ، لأنه مفعول له . انتهى . وهذا لا يجوز على الصحيح من مذهب النحويين ، لأنهم يشترطون في الحمل على المحل أن يكون المحل بحق الأصالة ، وأن يكون للموضع محرز . والمحل هنا ليس بحق الأصالة ، لأن الأصل هو الجر في المفعول له ، وإنما النصب ناشىء عن إسقاط الخافض ، لكنه لما كثر بالشروط المذكورة في النحو ، وصل إليه الفعل فنصبه .

﴿ ١٢