٤فإذا لقيتم الذين . . . . . {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } : أي في أي زمان لقيمتوهم ، فاقتلوهم . وفي قوله :{ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } ،أي في أي مكان ، فعم في الزمان وفي المكان . وقال الزمخشري : لقيتم ، من اللقاء ، وهو الحرب . انتهى .{ فَضَرْبَ الرّقَابِ } : هذا من المصدر النائب مناب فعل الأمر ، وهم مطرد فيه ، وهو منصوب بفعل محذوف فيه ، واختلف فيه إذا انتصب ما بعده فقيل : هو منصوب بالفعل الناصب للمصدر ؛ وقيل : هو منصوب بنفس المصدر لنيابته عن العامل فيه ، ومثاله : ضرباً زيداً ، كما قال الشاعر : على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلاً زريق المال ندل الثعالب وهذا هو الصحيح ، ويدل على ذلك قوله :{ فَضَرْبَ الرّقَابِ } ، وهو إضافة المصدر للمفعول ، ولو لم يكن معمولاً له ، ما جازت إضافته إليه . وضرب الرقاب عبارة عن القتل ؛ ولما كان القتل للإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته ، عبر بذلك عن القتل ، ولا يراد خصوصية الرقاب ، فإنه لا يكاد تتأتى حالة الحرب أن تضرب الرقاب ، وإنما يتأتى القتال في أي موضع كان من الأعضاء . ويقال : ضرب الأمير رقبة فلان ، وضرب عنقه وعلاوته وما فيه عيناه ، إذا قتله ، كما عبر بقوله :{ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم } عن سائر الأفعال ، لما كان أكثر الكسب منسوباً إلى الأيدي . قال الزمخشري : وفي هذه العبارة من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل ، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة ، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه . وقد زاد في هذه في قوله :{ فَوْقَ الاعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} انتهى . ولما في ذلك من تشجيع المؤمنين ، وأنهم من الكفار بحيث هم متمسكون منهم إذا أمروا بضرب رقابهم .{ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ } : أي أكثرتم القتل فيهم ، وهذه غاية للضرب ، فإذا وقع الإثخان وتمكنوا من أخذ من لم يقتل وشدوا وثاق الأسرى ، { فَإِمَّا مَنًّا } بالإطلاق ، {وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } : أي أثقالها وآلاتها . ومنه قول عمرو بن معدي كرب : وأعددت للحرب أوزارها رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا أنشده ابن عطية لعمرو هذا ، وأنشده الزمخشري للأعشى . وقيل : الأوزار هنا : الآثام ، لأن الحرب لا بد أن يكون فيها آثام في أحد الجانبين ، وهذه الغاية . قال مجاهد : حتى ينزل عيسى بن مريم . وقال قتادة : حتى يسلم الجميع : وقيل : حتى تقتلوهم . و قال ابن عطية : وظاهر اللفظ أنها استعارة يراد بها التزام الأمر أبداً ، وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا يضيع أوزارها ، فجاء هذه ، كما تقول : أنا أفعل كذا وكذا إلى يوم القيامة ، فإنما تريد أنك تفعله دائماً . وقال الزمخشري : وسميت ، يعني آلات الحرب من السلاح والكراع ، أوزارها ، لأنه لما لم يكن لها بد من جرها ، فكأنها تحملها وتستقل بها ؛ فإذا انقضت ، فكأنها وضعتها . وقيل : أوزارها : آثامها ، يعني حتى يترك أهل الحرب ، وهم المشركون ، شركهم ومعاصيهم ، بأن يسلموا . والظاهر أن ضرب الرقاب ، وهو القتل مغياً بشد الوثاق وقت حصول الإثخان ، وأن قوله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ } ،أي بعد الشذ ، {وَإِمَّا فِدَاء } ، حالتان للمأسور ، إما أن يمن عليه بالإطلاق ، كما منّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإطلاق ثمامة بن أثال الحنفي ، وإما أن يفدى ، كما روي عنه عليه السلام أنه فودي منه رجلان من الكفار برجل مسلم . وهذه الآية معارض ظاهرها لقوله تعالى :{ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} فذهب ابن عباس ، وقتادة ، وابن جريج ، والسدي ، والضحاك ، ومجاهد ، إلى أنها منسوخة بقوله :{ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ } الآية ، وأن الأسر والمن والفداء مرتفع ، فإن وقع أسير قتل ولا بد إلا أن يسلم . وروي نحوه عن أبي بكر الصديق ، وذهب ابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز ، وعطاء ، والحسن ، إلى أن هذه مخصصة لعموم تلك ، والمنّ والفداء ثابت . وقال الحسن : لا يقتل الأسير إلا في الحرب ، يهيب بذلك على العدو . وذهب أكثر العلماء إلى أن أهل الكتاب فيهم المنّ والفداء وعباد الأوثان ، ليس فيهم إلا القتل ، فخصصوا من المشركين أهل الكتاب ، وخصص من الكفار عبدة الأوثان . وأما مذهب الأئمة اليوم : فمذهب أبي حنيفة أن الإمام يخير في القتل والاسترقاق ؛ ومذهب الشافعي أنه مخير في القتل والاسترقاق والفداء والمن ؛ ومذهب مالك أنه مخير في واحد من هذه الأربعة ، وفي ضرب الجزية . والظاهر أن قوله :{وَإِمَّا فِدَاء } ، يجوز فداؤه بالمال وبمن أسر من المسلمين . وقال الحسن : لا يفدى بالمال . وقرأ السلمي : فشدوا ، بكسر الشين ، والجمهور : بالضم . والوثاق : بفتح الواو ، وفيه لغة الوثاق ، وهو اسم لما يوثق به ، وانتصب مناً وفداء بإضمار فعل يقدر من لفظهما ، أي فإما تمنون مناً ، وإما تفدون فداء ، وهو فعل يجب إضماره ، لأن المصدر جاء تفصيل عاقبة ، فعامله مما يجب إضماره ، ونحوه قول الشاعر : لأجهدنّ فإما درء واقعة تخشى وإما بلوغ السؤل والأمل أي : فإما أدرأ درأ واقعة ، وإما أبلغ بلوغ السؤل . وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكونا مفعولين ، أي أدوهم منا واقبلوا ، وليس إعراب نحوي . وقرأ ابن كثير في رواية شبل : وإما فدى بالقصر . قال أبو حاتم : لا يجوز قصره لأنه مصدر فاديته ، وهذا ليس بشيء ، فقد حكى الفراء فيه أربع لغات : فداء لك بالمد والإغراء ، وفدى لك بالكسر بياء والتنوين ، وفدى لك بالقصر ، وفداء لك . والظاهر من قوله : { فَإِمَّا مَنًّا } : المن بالإطلاق ، كما منّ الرسول عليه الصلاة والسلام على ثمامة ، وعلى أبي عروة الحجبي . وفي كتاب الزمخشري : كما منّ على أبي عروة الحجبي ، وأثال الحنفي ، فغير الكنية والاسم ، ولعل ذلك من الناسخ ، لا في أضل التصنيف . وقيل : يجوز أن يراد بالمنّ : أي يمنّ عليهم بترك القتل ويسترقوا ، أو يمن عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية وكونهم من أهل الذمة . والظاهر أن قوله :{ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } غاية لقوله :{ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ } ، لأنه قد غيا فضرب الرقاب بشد الوثاق وقت الإثخان . فلا يمكن أن يغيا بغاية أخرى لتدافع الغايتين ، إلا إن كانت الثانية مبينة للأولى ومؤكدة ، فيجوز ، لأن شد الوثاق للأسرى لا يكون إلا حتى تضع الحرب أوزارها . إذا فسرنا ذلك بانتفاء شوكة الكفار الملقيين إذ ذاك ، ويكون الحرب المراد بها التي تكون وقت لقاء المؤمنين للكفار ، ويجوز أن يكون المغيا محذوفاً يدل عليه المعنى ، التقدير : الحكم ذلك حتى تضع الحرب أوزارها ، أي لا يبقى شوكة لهم . أو كما قال ابن عطية : إنها استعارة بمعنى إلى يوم القيامة ، أي اصنعوا ذلك دائماً . وقال الزمخشري : فإن قلت : حتى بم تعلقت ؟ قلت : لا يخلو من أن تتعلق إما بالضرب والشد ، أو بالمنّ والفداء . فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رحمه اللّه : أنهم لا يزالون على ذلك أبداً إلى أن يكون حرب مع المشركين ، وذلك إذا لم يبق لهم شوكة . وقيل : إذا نزل عيسى بن مريم ؛ وعند أبي حنيفة رحمه اللّه : إذا علق بالضرب والشد . فالمعنى : أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار ، وذلك حتى لا يبقى شوكة للمشركين . وإذا علق بالمن والفداء ، فالمعنى : أنهم يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها ، إلى أن تناول المن والفداء ، يعني : بتناول المن بأن يتركوا عن القتل ويسترقوا ، أي بالتخلية بضرب الجزية بكونهم من أهل الذمة ، وبالعذاب أن يفادى بأسارى المشركين أسارى المسلمين . وقد رواه الطحاوي مذهباً لأبي حنيفة ؛ والمشهور أنه لا يرى فداءهم بمال ولا غيره ، خيفة أن يعودوا حدباً للمسلمين .{ ذالِكَ } أي الأمر ذلك إذا فعلوا . {ذالِكَ وَلَوْ يَشَاء اللّه لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } : أي لا أنتقم منهم ببعض أسباب الهلاك ، من خسف ، أو رجفة ، أو حاصب ، أو غرق ، أو موت جارف .{ وَلَاكِن لّيَبْلُوَ } : أي ولكن : أمركم بالقتال ليبلو بعضكم ، وهم المؤمنون ، أي يختبرهم ببعض ، وهم الكافرون ، بأن يجاهدوا ويصبروا ، والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض ما وجب لهم من العذاب . وقرأ الجمهور : قاتلوا ، بفتح القاف والتاء ، بغير ألف ؛ وقتادة ، والأعرج ، والأعمش ، وأبو عمرو ، وحفص : قتلوا مبنياً للمفعول ، والتاء خفيفة ، وزيد بن ثابت ، والحسن ، وأبو رجاء ، وعيسى ، والجحدري أيضاً : كذلك . وقرأ علي :{ فَلَن يُضِلَّ } مبنياً للمفعول ؛{ أَعْمَالَهُمْ } : رفع . وقرىء : يضل ، بفتح الياء ، من ضل أعمالهم : رفع . |
﴿ ٤ ﴾