٩والذين تبوؤوا الدار . . . . . والظاهر أن قوله : { وَالَّذِينَ } معطوف على المهاجرين ، وهم الأنصار ، فيكون قد وقع بينهم الاشتراك فيما يقسم من الأموال . وقيل : هو مستأنف مرفوع بالابتداء ، والخبر { هَاؤُلاَء يُحِبُّونَ} أثنى اللّه تعالى بهذه الخصال الجليلة ، كما أنثى على المهاجرين بقوله :{ يَبْتَغُونَ فَضْلاً } الخ ، والإيمان معطوف على الدار ، وهي المدينة ، والإيمان ليس مكاناً فيتبوأ . فقيل : هو من عطف الجمل ، أي واعتقدوا الإيمان وأخلصوا فيه ، قاله أبو عليّ ، فيكون كقوله : علفتها تبناً وماء بارداً أو يكون ضمن { تبوؤا } معنى لزموا ، واللزوم قدر مشترك في الدار والإيمان ، فيصح العطف . أو لما كان الإيمان قد شملهم ، صار كالمكان الذي يقيمون فيه ، لكن يكون ذلك جمعاً بين الحقيقة والمجاز . قال الزمخشري : أو أراد دار الهجرة ودار الإيمان ، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه ، وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه ؛ أو سمى المدينة ، لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالإيمان . و قال ابن عطية : والمعنى تبوؤا الدار مع الإيمان معاً ، وبهذا الاقتران يصح معنى قوله : { خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ } فتأمله . انتهى . ومعنى { مِن قَبْلِهِمُ } : من قبل هجرتهم ، { حَاجَةً } : أي حسداً ، { مّمَّا أُوتُواْ } : أي مما أعطي المهاجرون ، ونعم الحاجة ما فعله الرسول صلى اللّه عليه وسلم في إعطاء المهاجرين من أموال بني النضير والقرى . {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ } : من ذلك قصة الأنصاري مع ضيف الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، حيث لم يكن لهم إلا ما يأكل الصبية ، فأوهمهم أنه يأكل حتى أكل الضيف ، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : { عجب اللّه من فعلكما البارحة } ، فالآية مشيرة إلى ذلك . وروي غير ذلك في إيثارهم . والخصاصة : الفاقة ، مأخوذة من خصاص البيت ، وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج : والفتوح ، فكأن حال الفقير هي كذلك ، يتخللّها النقص والاحتياج . وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة : شح بكسر الشين . والجمهور : بإسكان الواو وتخفيف القاف وضم الشين ، والشح : اللؤم ، وهو كزازة النفس على ما عندها ، والحرص على المنع . قال الشاعر : يمارس نفساً بين جنبيه كرة إذا همّ بالمعروف قالت له مهلاً وأضيف الشح إلى النفس لأنه غريزة فيها . وقال تعالى : { وَأُحْضِرَتِ الأنفُسُ الشُّحَّ } ، وفي الحديث : { من أدّى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في النائبة فقد برىء من الشح} . |
﴿ ٩ ﴾