٤

قد كانت لكم . . . . .

ولما نهى عن موالاة الكفار ، ذكر قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأن من سيرته التبرؤ من الكفار ليقتدوا به في ذلك ويتأسوا .

وقرأ الجمهور : إسوة بكسر الهمزة ، وعاصم بضمها ، وهما لغتان . { وَالَّذِينَ مَعَهُ } ،قيل : من آمن به . وقال الطبري وغيره : الأنبياء معاصروه ، أو كانوا قريباً من عصره ، لأنه لم يرو أنه كان له أتباع مؤمنون في مكافحته لهم ولنمروذ . ألا تراه قال لسارة حين رحل إلى الشام مهاجراً من بلد نمروذ : ما على الأرض من يعبد اللّه غيري وغيرك ؟ والتأسي بإبراهيم عليه السلام هو في التبرؤ من الشرك ، وهو في كل ملة وبرسولنا عليه الصلاة والسلام على الإطلاق في العقائد وأحكام الشرع .

وقرأ الجمهور ؛{ بَرَاء } جمع بريء ، كظريف وظرفاء ؛ وعيسى : براء جمع بريء أيضاً ، كظريف وظراف ؛ وأبو جعفر : بضم الباء ، كتؤام وظؤار ، وهم اسم جمع الواحد بريء وتوأم وظئر ، ورويت عن عيسى . قال أبو حاتم : زعموا أن عيسى الهمداني رووا عنه براء على فعال ، كالذي في قوله تعالى :{ إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ } في الزخرف ، وهو مصدر على فعال يوصف به المفرد والجمع .

وقال الزمخشري : وبراء على إبدال الضم من الكسر ، كرخال ورباب . انتهى . فالضمة في ذلك ليست بدلاً من كسرة ، بل هي ضمة أصلية ، وهو قريب من أوزان أسماء الجموع ، وليس جمع تكسير ، فتكون الضمة بدلاً من الكسرة ، إلا قول إبراهيم استثناء من قوله :{ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ، قاله قتادة والزمخشري . قال مجاهد وقتادة وعطاء الخراساني وغيرهم : المعنى أن الأسوة لكم في هذا الوجه لا في الوجه الآخر ، لأنه كان لعلمه ليست في نازلتكم .

وقال الزمخشري :

فإن قلت : فإن كان قوله :{ لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } مستثنى من القول الذي هو { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ، فما بال قوله :{ فَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّه مِن شَىْء } ، وهو غير حقيق بالاستثناء ؟ ألا ترى إلى قوله :{ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ اللّه شَيْئاً } ؟

قلت : أراد استثناء جملة قوله لأبيه ، والقصد إلى موعد الاستغفار له وما بعده مبني عليه وتابع له ، كأنه قال : أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار . انتهى .

وقال الزمخشري : أولاً بعد أن ذكر أن الاستثناء هو من قوله :{ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } في مقالات قال : لأنه أراد بالأسوة الحسنة ، فهو الذي حق عليهم أن يأتسوا به ويتخذوه سنة يستنون بها . انتهى . والذين يظهر أنه مستثنى من مضاف لإبراهيم تقديره : أسوة حسنة في مقالات إبراهيم ومحاوراته لقومه إلا قول إبراهيم لأبيه { لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } ، فليس فيه أسوة حسنة ، فيكون على هذا استثناء متصلاً .

وأما أن يكون قول إبراهيم مندرجاً في أسوة حسنة ، لأن معنى الأسوة هو الاقتداء والتأسي ، فالقول ليس مندرجاً تحته ، لكنه مندرج تحت مقالات إبراهيم عليه السلام . و

قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الاستثناء من التبري والقطيعة التي ذكرت ، لم تبق جملة إلا كذا . انتهى .

وقيل : هو استثناء منقطع المعنى ، لكن قول إبراهيم لأبيه { لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } ، فلا تأسوا به فيه فتستغفروا وتفذوا آباءكم الكفار بالاستغفار .{ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا } وما بعده ، الظاهر أنه من تمام قول إبراهيم متصلاً بما قبل الاستثناء ، وهو من جملة ما يتأسى به فيه ، وفصل بينهما بالاستثناء اعتناء بالاستثناء ولقربه من المستثنى منه ، ويجوز أن يكون أمراً من اللّه للمؤمنين ، أي قولوا ربنا عليك توكلنا ، علمهم بذلك قطع العلائق التي

بينهم وبين الكفار .

﴿ ٤