١٠

يا أيها الذين . . . . .

كان صلح الحديبية قد تضمن أن من أتى أهل مكة من المسلمين لم يرد إليهم ، ومن أتى المسلمين من أهل مكة رد إليهم ، فجاءت أم كلثوم ، وهي بنت عقبة بن أبي معيط ، وهي أول امرأة هاجرت بعد هجرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في هدنة الحديبية ، فخرج في أثرها أخواها عمارة والوليد ، فقالا : يا محمد أوف لنا بشرطنا ، فقالت : يا رسول اللّه حال النساء إلى الضعف ، كما قد علمت ، فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبر لي ، فنقض اللّه العهد في النساء ، وأنزل فيهن الآية ، وحكم بحكم رضوه كلهم .

وقيل : سبب نزولها سبيعة بنت الحارث الأسلمية ، جاءت الحديبية مسلمة ، فأقبل زوجها مسافر المخدومي .

وقيل : صيفي بن الراهب ، فقال : يا محمد اردد علي امرأتي ، فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف ، فنزلت بياناً أن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء . وذكر أبو نعيم الأصبهاني أن سبب نزولها أميمة بنت بشر بن عمرو بن عوف ، امرأة حسان بن الدحداحة ، وسماهن تعالى مؤمنات قبل أن يمتحن ، وذلك لنطقهن بكلمة الشهادة ، ولم يظهر منهن ما ينافي ذلك ، أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهن بالامتحان .

وقرىء : مهاجرات بالرفع على البدل من المؤمنات ، وامتحانهن ، قالت عائشة : بآية المبايعة .

وقيل : بأن بشهدن أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه .

وقال ابن عباس : بالحلف إنها ما خرجت إلا حباً للّه ورسوله ورغبة في دين الإسلام .

وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة وعكرمة : كانت تستحلف أنها ما هاجرت لبغض في زوجها ، ولا لجريرة جرتها ، ولا لسبب من أغراض الدنيا سوى حب اللّه ورسوله والدار الآخرة . { اللّه أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } : لأنه تعالى هو المطلع على أسرار القلوب ومخبآت العقائد ، { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ } : أطلق العلم على الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات بالخروج من الوطن ، والحلول في قوم ليسوا من قومها ، وبين انتفاء رجعهن إلى الكفار أزواجهن ، وذلك هو التحريم بين المسلمة والكافر .

وقرأ طلحة : لا هن يحلان لهم ، وانعقد التحريم بهذه الجملة ، وجاء قوله :{ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } على سبيل التأكيد وتشديد الحرمة ، لأنه إذا لم تحل المؤمنة للكافر ، علم أنه لا حل بينهما البتة .

وقيل : أفاد قوله :{ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } استمرار الحكم بينهم فيما يستقبل ، كما هو في الحال ما داموا على الإشراك وهن على الإيمان .{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ } : أمر أن يعطي الزوج الكافر ما أنفق على زوجته إذا أسلمت ، فلا يجمع عليه خسران الزوجية والمالية . قال ابن عباس : أعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بعد إمتحانها زوجها الكافر ، ما أنفق عليها ، فتزوجها عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه ، وكان إذا امتحنهن ، أعطى أزواجهن مهورهن . وقال قتادة : الحكم في رد الصداق إنما كان في نساء أهل العهد ، فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين ، فلا يرد عليه الصداق ، والأمر كما قال قتادة ، ثم نفى الحرج في نكاح المؤمنين اياهن إذا آتوهن مهورهن ، ثم أمر تعالى المؤمنين بفراق نسائهن الكوافر عوابد الأوثان .

وقرأ الجمهور :{ تُمْسِكُواْ } مضارع أمسك ، كأكرم ؛ وأبو عمرو ومجاهد : بخلاف عنه ؛ وابن جبير والحسن والأعرج : مضارع مسك مشدّداً ؛ والحسن أيضاً وابن أبي ليلى وابن عامر في رواية عبد الحميد وأبو عمرو في رواية معاذ : تمسكوا بفتح الثلاثة ، مضارع تمسك محذوف الثاني بتمسكوا ؛ والحسن أيضاً : تمسكوا بكسر السين ، مضارع مسك ثلاثياً . وقال الكرخي :{ الْكَوَافِرِ } ، يشمل الرجال والنساء ، فقال له أبو علي الفارسي : النحويون لا يرون هذا إلا في النساء ، جمع كافرة ، وقال : أليس يقال : طائفة كافرة وفرقة كافرة ؟ قال أبو علي : فبهت فقلت : هذا تأييد . انتهى . وهذا الكرخي معتزلي فقيه ، وأبو علي معتزلي ، فأعجبه هذا التخريج ، وليس بشيء لأنه لا يقال كافرة في وصف الرجال إلا تابعاً لموصوفها ، أو يكون محذوفاً مراداً ، أما بغير ذلك فلا يجمع فاعلة على فواعل إلا ويكون للمؤنث . والعصم جمع عصمة ، وهي سبب البقاء في الزوجية .{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ } : أي واسألوا الكافرين ما أنفقتم على أزواجكم إذا فروا إليهم ، { وَلْيَسْئَلُواْ } : أي الكفار ما أنفقوا على أزواجهم إذ فروا إلى المؤمنين .

﴿ ١٠