١١

رسولا يتلو عليكم . . . . .

ولما ذكر ما حل بهذه القرية العاتية ، أمر المؤمنين بتقوى اللّه تحذيراً من عقابه ، ونبه على ما يحض على التقوى ، وهو إنزال الذكر . والظاهر أن الذكر هو القرآن ، وأن الرسول هو محمد صلى اللّه عليه وسلم. فإما أن يجعل نفس الذكر مجازاً لكثرة يقدر منه الذكر ، فكأنه هو الذكر ، أو يكون بدلاً على حذف مضاف ، أي ذكر رسول .

وقيل : { رَسُولاً } نعت على حذف مضاف ، أي ذكراً ، ذا رسول .

وقيل : المضاف محذوف من الأول ، أي ذا ذكر رسولاً ، فيكون رسولاً نعتاً لذلك المحذوف أو بدلاً .

وقيل : رسول بمعنى رسالة ، فيكون بدلاً من ذكر ، أو يبعده قوله بعده { يَتْلُو عَلَيْكُمْ } ، والرسالة لا تسند التلاوة إليها إلا مجازاً . وقى ل : الذكر أساس أسماء النبي صلى اللّه عليه وسلم.

وقيل : الذكر : الشرف لقوله :{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } ، فيكون رسولاً بدلاً منه وبياناً له . وقال الكلبي : الرسول هنا جبريل عليه السلام ، وتبعه الزمخشري فقال : رسولاً هو جبريل صلوات اللّه وسلامه عليه ، أبدل من ذكراً لأنه وصف بتلاوة آيات اللّه ، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر ، فصح إبداله منه . انتهى . ولا يصح لتباين المدلولين بالحقيقة ، ولكونه لا يكون بدل بعض ولا بدل اشتمال ، وهذه الأعاريب على أن يكون ذكراً ورسولاً لشيء واحد .

وقيل : رسولاً منصوب بفعل محذوف ، أي بعث رسولاً ، أو أرسل رسولاً ، وحذف لدلالة أنزل عليه ، ونحا إلى هذا السدي ، واختاره ابن عطية . وقال الزجاج وأبو علي الفارسي : يجوز أن يكون رسولاً معمولاً للمصدر الذي هو الذكر . انتهى . فيكون المصدر مقدراً بأن ، والقول

تقديره : إن ذكر رسولاً وعمل منوناً كما عمل ، أو { إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } ، كما قال الشاعر : بضرب بالسيوف رءوس قوم

أزلنا هامهن عن المقيل

وقرىء : رسول بالرفع على إضمار هو ليخرج ، يصح أن يتعلق بيتلو وبأنزل .{ الَّذِينَ كَفَرُواْ } : أي الذين قضى وقدر وأراد إيمانهم ، أو أطلق عليهم آمنوا باعتبار ما آل أمرهم إليه .

وقال الزمخشري : ليحصل لهم ما هم عليه الساعة من الإيمان والعمل الصالح ، لأنهم كانوا وقت إنزاله غير مؤمنين ، وإنما آمنوا بعد الإنزال والتبليغ . انتهى . والضمير في { لّيُخْرِجَ } عائد على اللّه تعالى ، أو على الرسول صلى اللّه عليه وسلم ،أو على الذكر .{ وَمَن يُؤْمِن } : راعى اللفظ أولاً في من الشرطية ، فأفرد الضمير في { يُؤْمِنُ } ،{ وَيَعْمَلْ } ، و { يُدْخِلْهُ } ، ثم راعى المعنى في { خَالِدِينَ } ، ثم راعى اللفظ في { قَدْ أَحْسَنَ اللّه لَهُ } فأفرد . واستدل النحويون بهذه الآية على مراعاة اللفظ أولاً ، ثم مراعاة المعنى ، ثم مراعاة اللفظ . وأورد بعضهم أن هذا ليس كما ذكروا ، لأن الضمير في { خَالِدِينَ } ليس عائداً على من ، بخلاف الضمير في { يُؤْمِنُ } ،{ وَيَعْمَلْ } ، و { يُدْخِلْهُ } ، وإنما هو عائد على مفعول { يُدْخِلْهُ } ، و { خَالِدِينَ } حال منه ، والعامل فيها { يُدْخِلْهُ } لا فعل الشرط .

﴿ ١١