٩

وأنا كنا نقعد . . . . .

{مَقَاعِدَ } جمع مقعد ، وقد فسر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صورة قعود الجن أنهم كانوا واحداً فوق واحد ، فمتى أحرق الأعلى طلع الذي تحته مكانه ، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها ، ثم يزيد الكهان الكلمة مائة كذبة .{ فَمَن يَسْتَمِعِ الاْنَ } ، الآن ظرف زمان للحال ، ويستمع مستقبل ، فاتسع في الظرف واستعمل للاستقبال ، كما قال :

سأسعى الآن إذ بلغت اناها

فالمعنى : فمن يقع منه استماع في الزمان الآتي ، { يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } : أي يرصده فيحرقه ، هذا لمن استمع .

وأما السمع فقد انقطع ، كما

قال تعالى :{ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } ، والرجم كان في الجاهلية ، وذلك مذكور

في أشعارهم ، ويدل عليه الحديث حين رأى عليه الصلاة والسلام نجماً قد رمي به ، قال :  { ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية } ؟ قالوا : كنا نقول : يموت عظيم أو يولد عظيم . قال أوس بن حجر : وانقض كالدري يتبعه

نقع يثور بحالة طنبا

وقال عوف بن الجزع : فرد علينا العير من دون إلفه

أو الثور كالدري يتبعه الدم

وقال بشر بن أبي حازم : والعير يرهقها الغبار وجحشها

ينقض خلفهما انقضاض الكوكب

قال التبريزي : وهؤلاء الشعراء كلهم جاهليون ليس فيهم محضرم ، وقال معمر : قلت للزهري : أكان يرمي بالنجوم في الجاهلي ؟ قال : نعم ،

قلت : أرأيت قوله : { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ } ؟ فقال : غلظت وشدد أمرها حين بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال الجاحظ : القول بالرمي أصح لقوله :{ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ } ، وهذا إخبار عن الجن أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت ، ولما روى ابن عباس وذكر الحديث السابق .

وقال الزمخشري : تابعاً للجاحظ ، وفي قوله دليل على أن الحرس هو الملء والكثرة ، فلذلك { نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ } : أي كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب ، والآن ملئت المقاعد كلها . انتهى . وهذا كله يبطل قول من قال : إن الرجم حدث بعد مبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو إحدى آياته . والظاهر أن رصداً على معنى : ذوي شهاب راصدين بالرجم ، وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع .

﴿ ٩