سورة النبأ

مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

عم يتساءلون

السبات ، قال ابن قتيبة : السبات أصله القطع والمدّ ، فالنوم قطع الأشغال الشاقة ، ومن المدّ قول الشاعر : وإن سبتته مال حبلاً كأنه

سدى وأملات من نواسج خثعما

أي : إن مدت شعرها مال والتف كالتفاف السدي بأيدي نساء ناسجات . الوهاج : المتوقد المتلالي . المعصر ، قال الفراء : السحاب الذي يجلب المطر ، ولما يجتمع مثل الجارية المعصر ، قد كادت تحيض ولما تحض ، وقال نحوه ابن قتيبة ، وقال أبو النجم العجلي

تمشي الهوينا مائلاً خمارها

قد أعصرت أو قد دنا إعصارها

الثج ، قال ثعلب : أصله شدّت الانصباب . وقال الأزهري : مطر ثجاج : شديد الانصباب ، ثج الماء وثججته ثجاً وثجوجاً : يكون لازماً بمعنى الانصباب وواقعاً بمعنى الصب . قال الشاعر في وصف الغيث :

إذا رمقت فيها رحى مرجحنه

تنعج ثجاجاً عزير الحوافل

ألفافاً جمع لف ، ثم جمع لف على ألفاف . الكواعب جمع كاعب : وهي التي برز نهدها ، ومنه كعب الزجل لبروزه ، ومنه الكعبة . قال عاصم بن قيس المنقري :

وكم من حصان قد حوينا كريمة

ومن كاعب لم تدر ما البؤس معصر

الدهاق : الملأى ، مأخوذ من الدهق ، وهو ضغط الشيء وشده باليد كأنه لامتلأته انضغط .

وقيل : الدهاق : المتتابعة ، قال الشاعر :

أتانا عامر يبغي قرانا

فأترعنا له كأساً دهاقاً

وقال آخر :

لأنت إلى الفؤاد أحب قربا

من الصادي إلى كأس دهاق

هذه السورة مكية . وروي أنه صلى اللّه عليه وسلم لما بعث ، جعل المشركون يتساءلون بينهم فيقولون : ما الذي أتى به ؟ ويتجادلون فيما بعث به ، فنزلت . ومناسبتها لما ذكر قبلها ظاهرة . لما ذكر { فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } ،أي بعد الحديث الذي هو القرآن ، وكانوا يتجادلون فيه ويسائلون عنه ، قال :{ عَمَّ يَتَسَاءلُونَ}

وقرأ الجمهور :{ عَمَّ } ؛ وعبد اللّه وأبيّ وعكرمة وعيسى : عما بالألف ، وهو أصل عم ، والأكثر حذف الألف من ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر وأضيف إليها . ومن إثبات الألف قوله :

على ما قام يشتمني لئيم

كخنزير تمرغ في رماد

وقرأ الضحاك وابن كثير في رواية : عمه بهاء السكت ، أجرى الوصل مجرى الوقف ، لأن الأكثر في الوقف على ما

الاستفهامية هو بإلحاق هاء السكت ، إلا إذا أضيفت إليها فلا بد من الهاء في الوقف ، نحو : بحي مه . والاستفهام عن هذا فيه تفخيم وتهويل وتقرير وتعجيب ، كما تقول : أي رجل زيد ؟ وزيد ما زيد ، كأنه لما كان عديم النظير أو قليله خفيّ عليك جنسه فأخذت تستفهم عنه . ثم جرد العبارة عن تفخيم الشيء ، فجاء في القرآن ، والضمير في { يَتَسَاءلُونَ } لأهل مكة . ثم أخبر تعالى أنهم { يَتَسَاءلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } ، وهو أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وما جاء به من القرآن .

وقيل : الضمير لجميع العالم ، فيكون الاختلاف تصديق المؤمن وتكذيب الكافر .

وقيل : المتسأل فيه البعث ، والاختلاف فيه عم متعلق بيتساءلون . ومن قرأ عمه بالهاء في الوصل فقد ذكرنا أنه يكون أجرى الوصل مجرى الوقف ، وعن النبأ متعلق بمحذوف ، أي يتساءلون عن النبأ . وأجاز الزمخشري أن يكون وقف على عمه ، ثم ابتدأ بيتسألون عن النبأ العظيم على أن يضمر لعمه يتساءلون ، وحذفت لدلالة ما بعدها عليه ، كشيء مبهم ثم يفسر . و

قال ابن عطية : قال أكثر النحاة قوله { عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } متعلق بيتساءلون ، الظاهر كأنه قال : لم يتساءلون عن النبأ العظيم ؟ وقال الزجاج : الكلام تام في قوله { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } ، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب فيقول : يتساءلون عن النبأ ، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتج بالجواب الذي يقتضيه الحال ، والمجاورة اقتضاء بالحجة وإسراعاً إلى موضع قطعهم .

وقرأ عبد اللّه وابن جبير : يسألون بغير تاء وشد السين ، وأصله يتساءلون بتاء الخطاب ، فأدغم التاء الثانية في السين .

﴿ ١